قبلَ الوُجوبِ، فإنْ كانَت بعدَ الوُجوبِ قيلَ: إنَّها مَكروهةٌ بلا خِلافٍ، وذلك بأنْ يَقولَ المُشتَري للشَّفيعِ:«صالَحتُك على كذا دِرهمًا على أنْ تُسلمَ لي شُفعتَك»، فيَقبلَ، فتَبطُلَ شُفعتُه ولا يَستحقَّ بَدلَ الصُّلحِ، أو يَقولَ له:«اشتَرِ الدارَ مِني بكذا»، فيَقولَ:«اشتَرَيت»، فتَبطُلَ شُفعتُه، ونَحوَ ذلك.
وإنْ كانَت قبلَ الوُجوبِ فقد اختُلفَ فيها، قالَ أَبو يُوسفَ ﵀: لا تُكرهُ، وقالَ مُحمدٌ ﵀: تُكرهُ.
وَجهُ قَولِ مُحمدٍ: أنَّ شَرعَ الحِيلةِ يُؤدِّي إلى سَدِّ بابِ الشُّفعةِ، وفيه إِبطالُ هذا الحَقِّ أَصلًا ورَأسًا.
وَجهُ قَولِ أَبي يُوسفَ أنَّ الحِيلةَ قبلَ الوُجوبِ مَنعٌ من الوُجوبِ بمُباشَرةِ سَببِ الامتِناعِ شَرعًا، وهذا جائِزٌ كالشِّراءِ والهِبةِ وسائِرِ التَّمليكاتِ، فإنَّ المُشتَريَ يَمنعُ حُدوثَ المِلكِ للبائِعِ في المَبيعِ بمُباشرةِ سَببِ الامتِناعِ شَرعًا وهو الشِّراءُ، وكذا الهِبةُ والصَّدقةُ وسائِرُ التَّمليكاتِ.
وقد خُرِّجَ الجَوابُ عن قَولِ مُحمدٍ ﵀ أنَّ هذا إِبطالٌ لحَقِّ الشُّفعةِ؛ لأنَّ إِبطالَ الشَّيءِ بعدَ ثُبوتِه ضَررٌ، والحَقُّ ههنا لم يَثبُتْ بعدَ ذلك، فلا تَكونُ الحِيلةُ إِبطالًا له، بل هو مَنعٌ من الثُّبوتِ بمُباشرةِ سَببِ الامتِناعِ شَرعًا، وأنَّه جائِزٌ، فما ذكَرَه أَبو يُوسفَ ﵀ هو الحُكمُ المَرويُّ، وما ذكَرَه مُحمدٌ ﵀ احتِياطٌ، والأَصلُ في شَرعِ الحِيلةِ قَولُه ﷾ في قِصةِ