للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)[البقرة: ٩]، والحِيلُ مُخادَعةٌ، وقد مسَخَ اللهُ تَعالى الذين اعتَدَوْا في السَّبتِ قِردةً بحِيلَتِهم، فإنَّه رُويَ أنَّهم كانوا يَنصِبونَ شِباكَهم يَومَ الجُمعةِ، ومنهم مَنْ يَحفِرُ جِبابًا ويُرسلُ الماءَ إليها يَومَ الجُمعةِ، فإذا جاءَت الحِيتانُ يَومَ السَّبتِ وقَعَت في الشِّباكِ وفي الجِبابِ، فيَدَعونها إلى ليلةِ الأحَدِ فيأخُذونها ويَقولونَ: ما اصطَدْنا يَومَ السَّبتِ شَيئًا، فمسَخَهم اللهُ تَعالى بحِيلَتِهم، وقالَ تَعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)[البقرة: ٦٦]، قيلَ: يَعني به أُمةَ مُحمدٍ ، أي: لتَتَّعظَ بذلك أُمةُ مُحمدٍ فيَجتَنِبوا مِثلَ ما فعَلَ المُعتَدونَ، ولأنَّ الحِيلةَ خَديعةٌ وقد قالَ النَّبيُّ : «لا تَحلُّ الخَديعةُ لمُسلمٍ»، ولأنَّ الشُّفعةَ وُضِعت لدَفعِ الضَّررِ، فلو سقَطَت بالتَّحيُّلِ للَحِقَ الضَّررُ فلم تَسقُطْ، كما لو أسقَطَها المُشتَري بالبَيعِ والوَقفِ، وفارَقَ ما لم يُقصَدْ به التَّحيُّلُ؛ لأنَّه لا خِداعَ فيه ولا قُصِد به إِبطالُ حَقٍّ، والأَعمالُ بالنِّياتِ، فإنِ اختَلَفا هل وقَعَ شَيءٌ من هذا حِيلةً أو لا فالقَولُ قَولُ المُشتَري مع يَمينِه؛ لأنَّه أعلَمُ بنِيَّتِه وحالِه (١).


(١) «المغني» (٥/ ٢٠٣، ٢٠٥)، و «الروض المربع» (٢/ ١٣٠)، و «الفتاوى الكبرى» (٣/ ١١٠)، و «إعلام الموقعين» (٣/ ٢٩٩)، وقالَ المرداوي في «الإنصاف» (٦/ ٢١٥): وقد ذَكَر الأَصحابُ للحِيلةِ في إِسقاطِها صُورًا:
الأُولى: أنْ تَكونَ قيمةُ الشِّقصِ مِئةً، وللمُشتَري عَرضُ قيمَتِه مِئةً، فيَبيعَه العَرضَ بمِئتَينِ، ثم يَشتَري الشِّقصَ منه بمِئتَينِ، ويَتقاصَّانِ، أو يَتواطآن على أنْ يَدفعَ إليه عَشرةَ دَنانيرَ عن المِئتَينِ، وهي أقَلُّ من المِئتَينِ، فلا يُقدَّمُ الشَّفيعُ عليه؛ لنُقصانِ قيمَتِه عن المِئتَينِ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>