للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَنفيةُ: لو أقَرَّ الغاصِبُ بما يَدَّعي المَغصوبُ منه من الغَصبِ وادَّعى الرَّدَّ عليه لا يُصدَّقُ إلا ببَيِّنةٍ؛ لأنَّ الإِقرارَ بالغَصبِ إِقرارٌ بوُجودِ سَببِ وُجودِ الضَّمانِ منه، فهو بقَولِه: «رَدَدتُ عليكَ» يَدَّعي انفِساخَ السَّببِ فلا يُصدَّقُ من غيرِ بَيِّنةٍ، والقَولُ قَولُ المَغصوبِ منه أنَّه لم يَقبِضْ منه ولم يَردَّ عليه مع يَمينِه، إلا أنْ يُقيمَ الغاصِبُ بَيِّنةً.

ولو تعارَضَت البَيِّنتانِ فأقامَ المالِكُ البَيِّنةَ على أنَّ الدابةَ أو السَّيارةَ مَثلًا تلِفَت عندَ الغاصِبِ من رُكوبِه، وأقامَ الغاصِبُ البَيِّنةَ على أنَّه ردَّها إلى المالِكِ فتُقبلُ بَيِّنةُ المالِكِ، وعلى الغاصِبِ قيمةُ المَغصوبِ؛ لأنَّ بَيِّنةَ الغاصِبِ لا تَدفعُ بَينةَ المَغصوبِ منه؛ لأنَّها قامَت على رَدِّ المَغصوبِ، ومن الجائِزِ أنَّه رَدَّها، ثم غصَبَها وركِبَها فتلِفَت في يَدِه، ولو أقامَ المَغصوبُ منه البَيِّنةَ أنَّه غصَبَ الدابةَ ونفَقَت عندَه، وأقامَ الغاصِبُ البَيِّنةَ أنَّه رَدَّها إليه وأنَّها نفَقَت عندَه فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ من الجائِزِ أنَّ شُهودَ المَغصوبِ منه اعتَمَدوا في شَهادتِهم على استِصحابِ الحالِ؛ لمَا أنَّهم علِموا بالغَصبِ وما علِموا بالرَّدِّ، فبَنَوُا الأمرَ على ظاهِرِ بَقاءِ المَغصوبِ في يَدِ الغاصِبِ إلى وَقتِ الهَلاكِ، وشُهودُ الغاصِبِ اعتَمَدوا في شَهادتِهم حَقيقةَ الأمرِ، وهي الرَّدُّ؛ لأنَّه أمرٌ لم يَكُنْ، فكانَت الشَّهادةُ القائِمةُ على الرَّدِّ أوْلى، وعن أَبي يُوسفَ أنَّ الغاصِبَ ضامِنٌ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٦٤)، و «المحيط البرهاني» (٥/ ٤١٤)، و «البحر الرائق» (٨/ ١٣٦)، و «مجمع الضمانات» (١/ ٣٣٢)، و «الفتاوى الهندية» (٥/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>