والصَّحيحُ القَولُ الأولُ، أنَّ مِلكَ المَغصوبِ منه لا يَزولُ عنه، ويَلزمُ الغاصِبَ أنْ يَردَّه ناقِصًا، وما نقَصَ من قيمَتِه؛ لأنَّ عَينَ مالِه باقيةٌ فلا يَملِكُ المُطالَبةَ بغيرِها، كالشاةِ إذا ذبَحَها (١).
وقالَ المالِكيةُ: مَنْ غصَبَ مِنْ شَخصٍ نَقرةً -وهي القِطعةُ المُذابةُ من الذَّهبِ أو الفِضةِ- فسبَكَها أو صاغَها حُليًّا أو دَراهِمَ فإنَّه يُقضَى لصاحِبِها بمِثلِها صِفةً ووَزنًا، ولا يُقضَى لصاحِبِها بعَينِها حينَئذٍ؛ لدُخولِ الصَّنعةِ فيها؛ لأنَّ القاعِدةَ أنَّ المِثليَّ إذا دخَلَته صَنعةٌ فإنَّه يُقضَى فيه بالقيمةِ ويَلحقُ بالمُقوَّماتِ، وكالصياغةِ النُّحاسُ يُضربُ فُلوسًا، فإنَّه يَلزمُه، مِثلَ النُّحاسِ؛ لأنَّ مُطلَقَ الصِّياغةِ هنا مُفوِّتٌ.
وكذلك مَنْ غصَبَ طِينًا مَعلومَ القَدرِ والصِّفةِ فضرَبَه لَبِنًا، فإنَّه يُغرَّمُ لصاحِبِه مِثلَه إنْ علِمَ وإلا فقيمَتُه؛ لأنَّ المِثليَّ الجُزافَ يُضمنُ بالقيمةِ؛ لأنَّ الطِّينَ ممَّا يُكالُ بالقُفةِ ونَحوِها.
وكذلك مَنْ غصَبَ قَمحًا فطحَنَه، فإنَّه يُغرَّمُ لصاحِبِه مِثلَه، قالَه ابنُ القاسِمِ، وقالَ أشهَبُ: رَبُّه مُخيَّرٌ، إنْ شاءَ أخَذَ المِثليَّ أو أخَذَه مَطحونًا بلا غَرامةٍ، واختارَه جَماعةٌ، والقَولانِ لمالِكٍ.
وكذلك مَنْ غصَبَ شَيئًا من الحُبوبِ فزرَعَه، فإنَّه يَلزمُه لصاحِبِه مِثلُه.
ومَن غصَبَ بَيضةً فحضَّنَها تحتَ دَجاجتِه فخرَجَ منها دَجاجةٌ فعليه بَيضةٌ مِثلُها، والدَّجاجةُ للغاصِبِ، إلا أنْ يَكونَ الغاصِبُ غصَبَ ما يَبيضُ
(١) «البيان» (٧/ ٢٢، ٢٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute