للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ قُدامةَ : «إنِ ادَّعت امرَأتانِ نَسبَ وَلدٍ فذلك مَبنيٌّ على قَبولِ دَعوتِهما، فإنْ كانَتا مِمَّنْ لا تُقبلُ دَعوتُهما لمْ تُسمعْ دَعوتُهما، وإنْ كانَت إِحداهما مِمَّنْ تُسمعُ دَعوتُهما دونَ الأُخرى فهو ابنٌ لها، كالمُنفردَةِ به، وإنْ كانَتا جَميعًا مِمَّنْ تُسمعُ دَعوتُهما فهما في إِثباتِه بالبَينةِ، أو كَونِه يُرى القافَةَ معَ عَدمِها كالرَّجلينِ.

قالَ أَحمدُ في رِوايةِ بَكرِ بنِ مُحمَّدٍ في يَهوديةٍ ومُسلِمةٍ ولدَتا فادَّعَت اليَهوديةُ وَلدَ المُسلمةِ فتَوقفَ، فقيلَ: يُرى القافَةَ. فقالَ: ما أَحسنَه! ولأنَّ الشَّبهَ يُوجدُ بينَها وبينَ ابنِها كوُجودِه بينَ الرَّجلِ وابنِه بل أَكثرُ؛ لاختِصاصِهما بحَملِه وتَغذيتِه، والكافرَةُ والمُسلِمةُ والحُرةُ والأَمةُ في الدَّعوى واحدةٌ كما قُلْنا في الرَّجلِ، وهذا قَولُ أَصحابِ الشافِعيِّ على الوَجهِ الذي يَقولونَ فيه بقَبولِ دَعوتِهما، وإنْ ألحَقَتْه القافَةُ بأُمَّينِ لمْ يلحَقْ بهما وبطَلَ قَولُ القافَةِ؛ لأنَّنا نَعلمُ خَطأَه يَقينًا.

وقالَ أَصحابُ الرَّأيِ: يُلحقُ بهما بمُجرَّدِ الدَّعوى؛ لأنَّ الأُمَّ أَحدُ الأَبوينِ فجازَ أنْ يُلحقَ باثنَينِ كالآباءِ.

ولنا: إنَّ كَونَه منهما مُحالٌ يَقينًا فلمْ يَجزِ الحُكمُ به، كما لو كانَ أَكبَرَ منهما أو مِثلَهما، وفارَقَ الرَّجلَينِ، فإنَّ كَونَه منهما مُمكِنٌ، فإنَّه يَجوزُ اجتِماعُ النُّطفتَينِ لرَجلَينِ في رَحمِ امرَأةٍ، فيُمكنُ أنْ يُخلقَ منهما وَلدٌ كما يُخلقُ مِنْ نُطفةِ الرَّجلِ والمَرأةِ، ولذلك قالَ القائِفُ لعُمرَ: «قد اشتَرَكا فيه»،

<<  <  ج: ص:  >  >>