للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: أجمَعُوا على أنَّ ضالَّةَ الغَنمِ في المَوضعِ المُخوَّفِ عليها له أَكلُها.

وكذلك الحُكمُ في كلِّ حَيوانٍ لا يَمتنعُ بنفسِه مِنْ صِغارِ السِّباعِ، وهي الثُّعلبُ وابنُ آوى والذِّئبُ ووَلدُ الأَسدِ ونحوُها، فما لا يَمتنعُ مِنها كفُصلانِ الإِبلِ وعُجولِ البَقرِ وأَفلاءِ الخَيلِ والدَّجاجِ والإِوزِّ ونحوَها يَجوزُ التِقاطُه، ويُروى عن أَحمدَ رِوايةٌ أُخرى، ليسَ لغيرِ الإِمامِ التِقاطُها، وقالَ اللَّيثُ بنُ سعدٍ: لا أُحبُّ أنْ يَقرَّ بها إلا أنْ يُحرزَها لصاحِبِها؛ لقَولِ رَسولِ اللهِ : «لا يُؤوِي الضالَّةَ إلا ضالٌّ» (١)، ولأنَّه حَيوانٌ أَشبَهَ الإِبلَ.

ولنا: قَولُ النَّبيِّ لمَّا سُئلَ عن الشاةِ: «خُذْها، فإنَّما هي لك أو لأَخيك أو للذِئبِ» مُتفقٌ عليه، ولأنَّه يُخشى عليه التَّلفُ والضَّياعُ، فأَشبهَ لُقطةَ غيرِ الحَيوانِ، وحَديثُنا أخصُّ مِنْ حَديثِهم فنَخصُّه به، والقِياسُ على الإِبلِ لا يَصحُّ، فإنَّ النَّبيَّ علَّلَ مَنعَ التِقاطِها بأنَّ معَها حِذاءَها وسِقاءَها، وهذا مَعدومٌ في الغَنمِ، ثُم قد فرَّقَ النَّبيُّ بينَهما في خبَرٍ واحدٍ فلا يَجوزُ الجَمعُ بينَ ما فرَّقَ الشارِعُ بينَهما، ولا قِياسُ ما أمَرَ بالتِقاطِه على ما منَعَ ذلك مِنه (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٧٠٢)، وابن ماجه (٢٥٠٣)، وأحمد (٤/ ٣٦٠، ٣٦٢)، وغيرُهم من حديثِ جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ وأخرجه مسلم (١٧٢٥) عن زيدِ بنِ خالدٍ الجُهنيِّ بلفظِ: «مَنْ آوى ضالَّةً فهو ضالٌّ ما لم يعرفْها».
(٢) «المغني» (٦/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>