وقالَ الإِمامُ ابنُ القَيمِ ﵀: فصلُ: وقَولُه ﷺ: «ولا يَلتقِطُ ساقِطتَها إلا مَنْ عرَّفَها» وفي لفظٍ: «ولا تَحلُّ ساقِطتُها إلا لمُنشدٍ» فيه دَليلٌ على أنَّ لُقطةَ الحَرمِ لا تُملَكُ بحالٍ، وأنَّها لا تُلتقَطُ إلا للتَّعريفِ لا للتَّمليكِ، وإلا لَم يَكنْ لتَخصيصِ مَكةَ بذلك فائِدةٌ أصلًا، وهذا هو الصَّحيحُ، والحَديثُ صَريحٌ فيه، والمُنشِدُ المُعرِّفُ، والناشِدُ الطالِبُ، ومِنه قَولُه:«إِصاخةُ الناشِدِ للمُنشِد»، وقد رَوى أَبو داودَ في سُننِه أنَّ النَّبيَّ ﷺ«نَهى عن لُقطةِ الحاجِّ»، وقالَ ابنُ وهبٍ: يَعني: يَتركُها حتى يَجدَها صاحِبُها.
قالَ شَيخُنا: وهذا مِنْ خَصائصِ مَكةَ، والفَرقُ بينَها وبينَ سائِرِ الآفاقِ في ذلك أنَّ النَّاسَ يَتفرَّقونَ عنها إلى الأَقطارِ المُختلِفةِ، فلا يَتمكنُ صاحِبُ الضالَّةِ مِنْ طَلبِها والسَّؤالِ عنها بخِلافِ غَيرِها مِنْ البِلادِ (١).
(١) «زاد المعاد» (٣/ ٤٥٣، ٤٥٤)، ويُنْظَر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٦/ ٥٥٧، ٥٥٨)، و «المغني» (٦/ ١١)، و «زاد المعاد» (٣/ ٤٥٣، ٤٥٤)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٢١٧)، و «المبدع» (٥/ ٢٨٣، ٢٨٤)، و «الإنصاف» (٦/ ٤١٣، ٤١٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٣٠٠)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٢٣٠)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٢٩)، و «الإفصاح» (٢/ ٦٤، ٦٥).