للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الأَوزاعيُّ: إنْ كانَ مالًا كَثيرًا جعَلَه في بيتِ المالِ.

ورُويَ مِثلُ قَولِ مالِكٍ والشافِعيِّ عن عُمرَ وابنِ مَسعودٍ وابنِ عُمرَ وعائِشةَ.

وكلُّهم مُتفِقونَ على أنَّه إنْ أكَلَها ضمِنَها لصاحِبِها إلا أَهلَ الظاهِرِ.

واستدَلَّ مالِكٌ والشافِعيُّ بقَولِه : «فشَأنَك بها» ولَم يُفرقْ بينَ غنيٍّ وفَقيرٍ.

ومِن الحُجةِ لهما ما رَواه البُخاريُّ والتِّرمذيُّ عن سُويدِ بنِ غَفلةَ قالَ: لقَيتُ أُويسَ بنَ كَعبٍ فقالَ: وجَدتُ صُرةً فيها مِائةُ دِينارٍ فأتَيتُ النَّبيَّ فقالَ: عرِّفْها حَولًا فعرَّفتُها، فلَم أَجدْ، ثُم أَتيتُه ثَلاثًا، فقالَ: «احفَظْ وِعاءَها ووِكاءَها، فإنْ جاءَ صاحِبُها وإلا فاستَمتِعْ بها» وخرجَ التِّرمذيُّ وأَبو دَاودَ «فاستَنفِقْها».

فسَببُ الخِلافِ مُعارضةُ ظاهِرِ لَفظِ حَديثِ اللُّقطةِ لأَصلِ الشَّرعِ، وهو أنَّه لا يَحلُّ مالُ امرئٍ مُسلِمٍ إلا عن طِيبِ نَفسٍ مِنه، فمَن غلَّبَ هذا الأَصلَ على ظاهِرِ الحَديثِ وهو قَولُه بعدَ التَّعريفِ «فشَأنَك بها» قالَ: لا يَجوزُ فيها تَصرُّفٌ إلا بالصَّدقةِ فقط، على أنْ يَضمنَ إنْ لَم يُجزْ صاحِبُ اللُّقطةِ الصَّدقةَ، ومَن غلَّبَ ظاهِرَ الحَديثِ على هذا الأَصلِ ورَأى أنَّه مُستَثنى عنه قالَ: تَحلُّ له بعدَ العامِ، وهي مالٌ مِنْ مالِه لا يَضمَنُها إنْ جاءَ صاحِبُها، ومَن توسَّطَ قالَ: يَتصرفُ بعدَ العامِ فيها وإنْ كانَت عَينًا على جِهةِ الضَّمانِ (١).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٢٢٩، ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>