فذهَبَ أَبو يُوسفَ ومُحمدٌ مِنْ الحَنفيةِ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ وَكيلَ المالِكِ إذا طلَبَ الوَديعةَ مِنْ المُودَعِ أو أمَرَه ربُّ الوَديعةِ أنْ يَردَّ الوَديعةَ على وَكيلِه وصدَّقَه المُودَعُ وجَبَ دَفعُها إليه، سَواءٌ طلَبَها الوَكيلُ أم لمْ يَطلبْها، فإنْ لمْ يَفعلْ وتلِفَت ضمِنَها؛ لأنَّه أمسَكَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذنِه.
إلا أنَّه إنْ أخَّرَ الدَّفعَ عن الوَكيلِ حتى يَشهدَ عليه لمْ يَضمنْ عندَ الشافِعيةِ؛ لأنَّه لا يُقبلُ قَولُه في الردِّ على الوَكيلِ، بل يَجبُ عليه الإِشهادُ في الردِّ على الوَكيلِ في أَحدِ الوَجهينِ عندَهم، كما رجَّحَه البَغويُّ، والثانِي: لا يَجبُ عليه الإِشهادُ، وهو قَولُ الغَزاليِّ (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ في المَشهورِ إلى أنَّ الوَكيلَ إذا قالَ: إنِّي وَكيلٌ بقَبضِ الوَديعةِ فصدَّقَه المُودَعُ لمْ يُؤمرْ بالدَّفعِ إليه؛ لأنَّه أقَرَّ له بقَبضِ مالِ الغيرِ، فلا يَصحُّ لمَا فيه مِنْ إِبطالِ حقِّه في العَينِ، بخِلافِ ما إذا ادَّعى أنَّه وَكيلٌ بقَبضِ الدَّينِ فصدَّقَه؛ حيثُ يُؤمرُ بالدَّفعِ إليه لأنَّه أقَرَّ بمالِ نَفسِه؛ إذ الدُّيونُ تُقضى بأَمثالِها لا بأَعيانِها على ما بيَّنَّا، ولو هلَكَت الوَديعةُ عندَه بعدَما منَعَ قيلَ: لا يَضمنُ، وقيلَ: يَنبغي أنْ يَضمنَ؛ لأنَّ المَنعَ مِنْ وَكيلِ المُودِعِ في زَعمِه بمَنزلةِ المَنعِ مِنْ المُودِعِ وهو يُوجبُ الضَّمانَ، فكذا هذا، ولو سلَّمَ الوَديعةَ
(١) «روضة الطالبين» (٤/ ٥٩٥، ٥٩٦)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٤٩)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٢١، ٢٢٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٥١)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٧٦)، و «مجمع الضمانات» (١/ ٢٢٥)، و «حاشية ابن عابدين» (٨/ ٣٤١)، و «تنقيح الفتاوى الحامدية» (٥/ ١٨٥، ١٨٦)، و «الفتاوى الهندية» (٤/ ٣٥٢).