فأمَّا إنْ طلَبَها في وَقتٍ لمْ يُمكنْ دَفعُها إليه لبُعدِها أو لمَخافةٍ في طَريقِها أو للعَجزِ عن حَملِها أو غيرِ ذلك لمْ يَكنْ مُتعدِّيًا بتَركِ تَسليمِها؛ لأنَّ اللهَ تَعالى لا يُكلِّفُ نَفسًا إلا وُسعَها، وإنْ تلِفَ لمْ يَضمنْها لعَدمِ عُدوانِه، وإنْ قالَ: أَمهلُوني حتى أَقضيَ صَلاتِي أو آكلُ فإنِّي جائِعٌ أو أَنامُ فإنِّي ناعِسٌ أو يَنهضمَ عني الطَّعامُ فإنِّي مُمتلِئٌ أُمهلَ بقَدرِ ذلك (١).
إلا أنَّ المالِكيةَ قَالوا: مَنْ دفَعَ لشَخصٍ وَديعةً بغيرِ بيِّنةٍ ثُم طلَبَها منه فامتنَعَ مِنْ دَفعِها له إلا بحَضرةِ القاضِي ثُم إنَّها ضاعَت بعدَ ذلك فإنَّه يَكونُ ضامِنًا لها؛ لأنَّ إِمساكَها ظُلمٌ لربِّها فهو كالمُتسَبِّبِ مُتسبِّبٌ في ضَياعِها؛ إذ لا عُذرَ له لأنَّه مُصدَّقٌ إذا ادَّعى رَدَّها لربِّها.
أما إنْ كانَ أخَذَها منه ببَينةٍ مَقصودةٍ للتَوثُّقِ فلا يَضمنُ لأنَّه مَعذورٌ؛ إذ لا يُقبلُ قَولُه حينَئذٍ في رَدِّها بخِلافِ الأَولِ.
إلا إنْ قالَ: ضاعَت مِنْ سِنينَ وأَولى مِنْ أَقلَّ، ولمْ يَكنْ يَذكرُ ذلك لأَحدٍ مِنْ خَلقِ اللهِ، إلا أنَّه قالَ كنْتُ أَرجوها وأَطلبُها فلمْ أَجدْها فإنَّه لا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه أَمينٌ، وسَواءٌ كانٌ صاحِبُ الوَديعةِ حاضِرًا أو غائِبًا عن
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٥٥)، و «اللباب» (١/ ٦٤٥)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٣٣)، و «الفتاوى الهندية» (٤/ ٣٥٢)، و «البيان» (٦/ ٤٩٦)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٥٩٤، ٥٩٥)، و «النجم الوهاج» (٦/ ٣٧١)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٤٩)، و «المغني» (٦/ ٣٠٦)، و «الإفصاح» (٢/ ٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٥١)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٢١).