للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإِمامُ ابنُ المُنذرِ : واختلَفُوا في الحَريقِ يَقعُ في البَيتِ، ويُمكنُ المُودَعُ إِخراجُ الوَديعةِ مِنْ مَكانِها فلمْ يَفعلْ.

فقالَ قائِلٌ: يَضمنُ؛ لأنَّه كأنَّه أتلَفَه؛ لأنَّه أمَرَ بحِفظِه، وهذا مُضيِّعٌ، وهذا يُشبُه مَذهبَ الشافِعيِّ؛ لأنَّه قالَ: مَنْ استُودِعَ دوابَّ فلمْ يَعلفْها حتى تلِفَت ضمِنَ.

وقالَ آخرُ: لا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ النَّارَ أتلَفَتْها، وهذا كالرَّجلِ المُسلمِ تُحيطُ به النارُ ورَجلٌ مُسلِمٌ قادرٌ على إِخراجِه فلمْ يَفعلْ فهو عاصٍ، ولا عَقلَ عليه ولا قَودَ (١).

إلا أنَّ فُقهاءَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ اختلَفُوا فيما لو قالَ له ربُّها: لا تُخرجْها مِنْ ذلك الحِرزِ وإنْ خِفتَ عليها الهَلاكَ، فإذا حصَلَ الهَلاكُ ولمْ يَنقلْها المُودَعُ في هذه الحالَةِ فتلِفَت هل يَضمنُها أم لا؟ في ذلك وَجهانِ عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ.

أَحدُهما وهو الصَّحيحُ عندَهما: أنَّه لا يَضمنُ؛ لأنَّه مُمتثِلٌ أَمرَ ربِّه فيما فعَلَ؛ لأنَّ نَهيَه معَ خَوفِ الهَلاكِ نصٌّ فيه وتَصريحٌ به، فيَكونُ مَأذونًا له في تَركِها في تلك الحالِ فلمْ يَضمنْها؛ لامتِثالِه أَمرَ صاحبِها كما لو قالَ له: أَتلِفْها فأتلَفَها.

والثانِي: يَضمنُ؛ لأنَّه غرَّرَ بها حيثُ ترَكَ نَقلَها معَ الخَوفِ عليها؛ لأنَّ


(١) «الإشراف» (٦/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>