للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالِثُ: لأَبي يُوسفَ، وهو أنَّه يَجعلُ الأَقلَّ تابِعًا للأَكثرِ، اعتِبارًا للغالِبِ، يَعني أنَّ مَنْ كانَ مالُه أَكثرَ يَكونُ المَخلوطُ مِلكَه، ويَضمنُ للآخرِ حقَّه، وذلك في المائِعِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّه إنْ خلَطَها بجِنسِها المُماثِلِ لها جَودةً ورَداءةً، كحِنطةٍ بمِثلِها أو ذَهبٍ بمِثلِه أو نَحوِ ذلك مما هو مُماثِلٌ في الجِنسِ والصِّفةِ فلا ضَمانَ عليه في ذلك إذا وقَعَ على وَجهِ الإِحرازِ -أي الحِفظِ والرِّفقِ- لا على وَجهِ التَّملكِ وإلا ضمِنَ؛ لأنَّه يُمكنُ إذا بقِيَ كلٌّ على حِدتِه أنْ يَضيعَ أَحدُهما دونَ الآخرِ.

ثُم إذا خلَطَ المُودَعُ قَمحًا ونَحوَه بمِثلِه أو دَراهمَ أو شَبهَها بمِثلِها للإِحرازِ وتلِفَ بعضُ ذلك فإنَّ التالِفَ بينَهما على قَدرِ نَصيبِ كلِّ واحدٍ منهما، فإذا كانَ الذاهِبُ واحدًا مِنْ ثَلاثةٍ لأَحدِهما واحدٌ وللآخرِ اثنانِ، فعلى صاحِبِ الواحِدِ ثُلثُه وعلى صاحِبِ الاثنَينِ ثُلُثاه على المُعتمَدِ، إلا أنْ يَتميزَ التالِفُ ويُعرفُ أنَّه لشَخصٍ مُعينٍ منهما فمُصيبتُه مِنْ ربِّه.

ومِن «المُدوَّنة»: مَنْ أودَعْتَه دَنانيرَ أو دَراهمَ فخلَطَه بمِثلِها ثُم ضاعَ المالُ كلُّه لمْ يَضمنْ، وإنْ ضاعَ بَعضُه كانَ ما ضاعَ وما بقِيَ بينهما؛ لأنَّ دَراهمَك لا تُعرفُ مِنْ دَراهمِه، ولو عُرفَت بعَينِها كانَت مُصيبةُ كلِّ واحدةٍ مِنْ ربِّها، ولا يُغيِّرُها الخَلطُ.

وإنْ أودَعْتَه حِنطَةً فخلَطَها بحِنطةٍ مِثلِها وفعَلَ ذلك على وَجهِ الإِحرازِ والدَّفعِ فهلَكَ الجَميعُ لمْ يَضمنْ؛ لأنَّ المُودِعَ على مِثلِ ذلك دخَلَ، وقد يَشقُّ على المُودَعِ أنْ يَجعلَ كلَّ ما أُودعَه على حِدةٍ، ولأنَّه لو تَعدَّى على الوَديعةِ فأكَلَها ثُم ردَّ مِثلَها ثُم ضاعَت بعدَ ردِّه لمْ يَلزمْه شيءٌ، فخَلطُه بمِثلِها كردِّ مِثلِها لمْ يَضمنْ إذا ضاعَت، وإنْ كانَت مُختلفةً ضمِنَ، وكذلك إنْ خلَطْتَ


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٣)، و «المبسوط» (١١/ ١١٠)، و «الاختيار» (٣/ ٣٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٥٤، ١٥٥)، و «اللباب» (١/ ٦٤٤، ٦٤٥)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٣٣)، و «قرة عيون الأخيار» (٢/ ٢٤٨)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٧٦)، و «درر الحكام» (٢/ ٢٦٢)، و «شرح المجلة» للأتاسي (٣/ ٢٦٩)، و «مرشد الحيران» (٣/ ١٢٢٢، ١٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>