للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجدَ مِنْ كلِّ واحدٍ منهما سَببُ وُجوبِ الضَّمانِ، أما الأَولُ فلأنَّه دفَعَ مالَ الغيرِ إلى غيرِه بغيرِ إِذنِه، وأما الثانِي فلأنَّه قبَضَ مالَ الغيرِ بغيرِ إذنِه، وكلُّ واحدٍ منهما سَببٌ لوُجوبِ الضَّمانِ، فيُخيَّرُ المالِكُ، إنْ شاءَ ضمَّنَ الأَولَ وإنْ شاءَ ضمَّنَ الثانِي كمُودعِ الغاصِبِ معَ الغاصِبِ، غيرَ أنَّه إنْ ضمَّنَ الأَولَ لا يَرجعُ بالضَّمانِ على الثَّاني؛ لأنَّه ملَكَ الوَديعةَ بأَداءِ الضَّمانِ، فتبَيَّن أنَّه أودَعَ مالَه نفسَه إيَّاه، فهذا مُودَعٌ هلَكَت الوَديعةُ في يدِه فلا شَيءَ عليه، وإنْ ضمَّنَ الثانِي يَرجعْ بالضَّمانِ على الأَولِ؛ لأنَّ الأَولَ غرَّه بالإِيداعِ فيَلزمُه ضَمانُ الغُرورِ، كأنَّه كفَلَ عنه بما يَلزمُه مِنْ العُهدةِ في هذا العَقدِ؛ إذ ضَمانُ الغُرورِ ضَمانُ كَفالةٍ لمَا عُلمَ.

وهذا الحُكمُ إذا لمْ يَعلمِ الثانِي بالحالِ، أي لمْ يَعلمْ أنَّ المُودَعَ الأَولَ أودَعَها إيَّاه مِنْ غيرِ عُذرٍ، فإنْ علِمَ أنَّه أودَعَها إيَّاه بغيرِ عُذرٍ استقَرَّ الضَّمانُ عليه عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ ولمْ يَرجعْ بما ضمِنَه على الأَولِ؛ لأنَّه دخَلَ على أنَّه يَضمنُ فلمْ يَرجعْ.

وقالَ الإِمامُ أَبو حَنيفةَ والقاضِي مِنْ الحَنابِلةِ: إذا أودَعَها عندَ مَنْ ليسَ له أنْ يُودعَه فضاعَت في يدِ الثانِي فالضَّمانُ على الأَولِ لا على الثانِي.

وَجهُ قَولِ أَبي حَنيفةَ أنَّ يدَ المُودَعِ الثانِي ليسَت بيدٍ مانِعةٍ، بل هي يدُ حِفظِ وَصيانةِ الوَديعةِ عن أَسبابِ الهَلاكِ، فلا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سببًا لوُجوبِ الضَّمانِ؛ لأنَّه مِنْ بابِ الإِحسانِ إلى المالِكِ، قالَ اللهُ جلَّ شَأنُه: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١]، وكانَ يَنبغي ألَّا يَجبَ الضَّمانُ على

<<  <  ج: ص:  >  >>