للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحِرزِ، وهذا الصَّحيحُ عندَ القاضِي، وقالَ: إنَّه قِياسُ قَولِ الأَصحابِ فيما إذا فتَحَ قَفصًا عن طائِرٍ فطارَ، ولمْ يُذكرْ عن أَحمدَ بذلك نصًّا، ونقَلَ مُهنَّا عن أَحمدَ ما يَقتضي أنَّه لا يَضمنُ إلا ما أخَذَ، فقالَ في رَجلٍ استودَعَ رَجلًا عَشرةَ دَنانيرَ في صُرةٍ فأخَذَ منها المُستودَعُ دِينارًا فأنفَذَه ثُم ردَّ مَكانَه دِينارًا فضاعَت العَشرةُ، يَغرمُ الدِّينارَ وليسَ عليه التِّسعةُ، وفي «التَّلخيص» أَيضًا أنَّ البَغويَّ رَوى عن أَحمدَ ما يَدلُّ على ذلك، ويَنبني على ذلك لو خرَقَ الكِيسَ فإنْ كانَ مِنْ فوقِ الشَّدِّ لمْ يَضمنْ إلا أَرشَ الخَرقِ فقط، وإنْ كانَ مِنْ تحتِ الشَّدِّ ضمِنَ الجَميعَ، على المَشهورِ عندَ الأَصحابِ.

وقُوةُ كَلامِ الخِرقيِّ تَقتضي أنَّه لا يَضمنُ بمُجرَّدِ نِيةِ التَّعدِّي، وهو المَذهبُ المَجزومُ به، لرَفعِ المُؤاخذَةِ عن ذلك ما لمْ يَتكلَّمْ أو يَعملْ، ولهذا لو أخرَجَه إلى السُّوقِ بنِيةِ الإِنفاقِ ثُم ردَّها ضمِنَها على أَصحِّ الوَجهينِ؛ لوُجودِ العَملِ، قالَ القاضِي: وقد قيلَ: إنَّه يَضمنُ بالنِّيةِ؛ لاقتِرانِها بالإِمساكِ وهو فِعلٌ، وقد يَنبني هذا الوَجهُ على أنَّ الذي لا يُؤاخذُ به هو الهَمُّ، أما العَزمُ فيُؤاخذُ به على أَحدِ القَولينِ، واللهُ أَعلمُ (١).

وقالَ الإِمامُ ابنُ هُبيرةَ : واختلَفُوا فيما إذا أخرَجَ المُودَعُ مِنْ الوَديعةِ شَيئًا على نِيةِ الجِنايةِ فأنفَقَه، ثُم إنَّه ثابَ إليه إِيمانُه فأَعادَ مِثلَه ثُم تلِفَت الوَديعةُ.


(١) «شرح الزركشي» (٢/ ٣٠٠، ٣٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>