للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالردِّ إلى وليِّه، وذلك لأنَّه قبِلَ مالًا مِمَّنْ لا يَملكُ التَّصرفَ فيه، كما لو غصَبَ مالًا وأودَعَه وعلِمَ المُستودَعُ أنَّه مَغصوبٌ وقبِلَ الوَديعةَ، فإنَّه لا يَبرأُ مِنْ الضَّمانِ إلا بالردِّ على صاحبِها، ولأنَّه أخَذَ مالَ غيرِه بغيرِ إذنٍ شَرعيٍّ فأشبَه ما لو غصَبَه (١).

إلا أنَّ جُمهورَ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ استَثْنوا مِنْ هذه الحالةِ ما لو خشِيَ المُودَعُ هلاكَ الوَديعةِ في يدِ الصَّغيرِ أو المَجنونِ أو المَحجورِ عليه فأخَذَها منه حسبةً ليَحفظَها، فلا ضَمانَ عليه ما لمْ يَتعدَّ فيها أو يُفرطَ.

قالَ المالِكيةُ: تَجوزُ الوَديعةُ مِنْ الصَّبيِّ الخائِفِ عليها إنْ بقِيَت بيدِه، ومِن العَبدِ، ويَجوزُ أنْ يُودِعا ما خِيف تلفُهُ بيدِ مُودِعِه إنْ ظنَّ صَونَه بيدِ أحدِهما لاحتِرامِهما وثِقتِهما، كأولادِ المُحترَمينَ وعَبيدِهم عندَ نُزولِ بعضِ الظَّلمةِ ببَعضِ البِلادِ، والأَصلُ في هذا النُّصوصُ الدَّالةُ على حِفظِ المالِ والنَّهيِ عن إِضاعتِه (٢).

وقالَ الشافِعيةُ: لو أودَعَه صبِيٌّ ولو مُراهقًا كامِلَ العَقلِ أو مَجنونٌ مالًا لا يَجوزُ له أنْ يَقبلَه لعَدمِ أَهليتِهما؛ لأنَّ العاقدَينِ شَرطُهما التَّكليفُ، فإنْ قبِلَ أو قبَضَ ضمِنَ بأَقصى القِيمَ؛ لأنَّه وضَعَ يدَه على مالِ غيرِه بغيرِ إذنٍ مُعتبَرٍ فكانَ كالغاصِبِ، ولا يَزولُ الضَّمانُ إلا بالردِّ إلى الناظرِ في أمرِهما.

ومَحلُّ ذلك عندَ الأَمنِ مِنْ ضَياعِها، أما إذا خافَ هَلاكَه فيَأخذُه على


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠٧)، و «الملخص الفقهي» (١٠/ ٤٤٣)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٢٢٧)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ١٧٠)، و «حاشية العدوي» (٢/ ٣٥٩)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٥٧٦)، و «النجم الوهاج» (٦/ ٣٤٦)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٣٤)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٣٠٨، ٣٠٩)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ١٣١)، و «الديباج» (٣/ ١٠٨)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢١٦)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ١٦٢).
(٢) «الملخص الفقهي» (١٠/ ٤٤٣)، و «مواهب الجليل» (٧/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>