للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنْ يَنزلَ الدُّنيا حيثُ أنَزلَها اللهُ ﷿ فإنَّه لم يَجعَلْها دارَ مَقامٍ، إلا مَقامَ مُدةٍ عاجِلةِ الانقِطاعِ، وإنَّما جعَلَها دارَ عَملٍ، وجعَلَ الآخرةَ دارَ قَرارٍ، وجَزاءً بما عمِلَ في الدُّنيا؟ من خيرٍ أو شرٍّ، إن لَم يَعفُ اللهُ -جلَّ ثَناؤُه- وألَّا تُخالِلَ أحدًا، إلا أحدًا تُخالِلهُ للهِ ممَّن يَعقِلُ الخُلةَ للهِ ويُرجى منه إِفادةُ عِلمٍ ودِينٍ، وحُسنِ أَدبٍ في دُنيا، وأنْ يَعرفَ المَرءُ زَمانَه، ويَرغبَ إلى اللهِ -تعالى- في الخَلاصِ من شرِّ نَفسِه فيه، ويُمسِكَ عن الإِسرافِ بقَولٍ أو فِعلٍ، في أَمرٍ لا يَلزمُه وأنْ يُخلِصَ النِّيةَ للهِ -تَعالى- فيما قالَ وعمِلَ؛ فإنَّ اللهَ يَكفِيه ممَّا سِواه ولا يَكفِي منه شيءٌ غيرُه، وأَوصَى متى حدَثَ به المَوتُ الذي كتَبَه اللهُ ﷿ على خَلقِه، الذي أَسألُ اللهَ العَونَ عليه، وعلى ما بعدَه، وكِفايةَ كلِّ همٍّ لي، دونَ الجَنةِ برَحمتِه.

ولَم يُغيِّرْ وَصيتَه هذه.

فذكَرَ الوَصيةَ في أُمورِ مَماليكِه، وأَولادِه، وصِفتِه، وغيرِها، وقالَ في آخرِها: ومُحمدُ بنُ إِدريسَ يَسألُ اللهَ القادِرَ على ما يَشاءُ أنْ يُصلِّيَ على مُحمدٍ عبدِه ورَسولِه، وأنْ يَرحمَه؛ فإنَّه فَقيرٌ إلى رَحمتِه، وأنْ يُجيرَه مِنْ النارِ، فإنَّه غَنيٌّ عن عَذابِه، وأنْ يُخلِفَه في جَميعِ ما خلَفَ، بأَفضَلَ ما خلَفَ به أحدًا مِنْ المُؤمِنينَ، وأنْ يَكفِيَهم فَقدَه، ويَجبُرَ مُصيبتَهم بعدَه، وأنْ يَقيَهم مَعاصِيَه، وإِتيانَ ما يَقبُحُ بهم، والحاجةَ إلى أحدٍ من خَلقِه بقُدرتِه (١).


(١) «المناقب» للبيهقي (٢/ ٢٨٩، ٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>