للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسكَتَ، ثُم ترَكَ الرَّجلُ ذلك المالَ وانصَرفَ، صارَ ذلك المالُ عندَ صاحِبِ الدُّكانِ وَديعةً، وأما لو ردَّ صاحِبُ الدُّكانِ الإِيداعَ بأنْ قالَ: «لا أَقبلُ»، فلا يَنعقدُ الإِيداعُ حينَئذٍ، وكذا إذا وضَعَ رَجلٌ مالَه عندَ جَماعةٍ على سَبيلِ الوَديعةِ وانصَرفَ وهم يَرونَه وبَقُوا ساكِتينَ صارَ ذلك المالُ وَديعةً عندَ جَميعِهم، فإذا قاموا واحدًا بعدَ واحدٍ وانصَرَفوا مِنْ ذلك المَحلِّ فبما أنَّه يَتعيَّنُ حينَئذٍ الحِفظُ على مَنْ بقِيَ منهم آخرًا يَصيرُ المالُ وَديعةً عندَ الأَخيرِ فقط (١).

وقالَ المالِكيةُ: الصِّيغةُ هي كلُّ ما يُفهمُ منه طلَبُ الحِفظِ ولو بقَرائنِ الأَحوالِ، ولا يَتوقَّفُ على إِيجابٍ وقَبولٍ باللَّفظِ، حتى لو وضَعَ شَخصٌ مَتاعَه عندَ جالِسٍ رَشيدٍ بَصيرٍ ساكِتٍ وذهَبَ الواضِعُ لحاجَتِه، فإنَّه يَجبُ على المَوضوعِ عندَه المتاعُ حِفظُه بحَيثُ إنْ فرَّطَ في حِفظِه حتى ضاعَ ضمِنَه؛ لأنَّ سُكوتَه رِضًا منه بالإِيداعِ عندَه، وأما الأَعمى فلا بدَّ أنْ يَضعَ يدَه عليها حتى يَضمنَ (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّه يُشترطُ في الإِيداعِ الإِيجابُ مِنْ المُودِعِ لَفظًا وعَدمُ الرَّدِ مِنْ جانبِ المُودَعِ.

قالَ الشافِعيةُ: لا تَنعقدُ الوَديعةُ إلا بالإِيجابِ بالقَولِ مِنْ النَّاطقِ، وهي إما صَريحٌ: ك «استَودَعْتك هذا» أو «أودَعْتُك» أو «هو وَديعةٌ عندَك» أو «استَحفظتُك» أو «أنبْتُك في حِفظِه» أو «احفَظْه».


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠٧)، و «درر الحكام شرح مجلة الأحكام» (٢/ ٢٢٤، ٢٢٦).
(٢) «حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني» (٢/ ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>