وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى عَدمِ صِحةِ هِبةِ الصُّوفِ على ظَهرِ الحَيوانِ للجَهالةِ وتَعذُّرِ التَّسليمِ.
قالَ الحَنفيةُ: يُشترطُ لصِحةِ الهِبةِ ألَّا يَكونَ المَوهوبُ مُتصلًا بما ليسَ بمَوهوبٍ اتِّصالَ الأجزاءِ؛ لأنَّ قَبضَ المَوهوبِ وَحدَه لا يُتصورُ، وغَيرُه ليسَ بمَوهوبٍ، فكانَ هذا في مَعنى المَشاعِ، وعلى هذا يَخرجُ ما إذا وهَبَ أرضًا فيها زَرعٌ دونَ الزَّرعِ، أو شَجرًا عليه ثَمرٌ دونَ الثَّمرِ، أو وهَبَ الزَّرعَ دونَ الأرضِ، أو الثَّمرَ دونَ الشَّجرِ وخَلَّى بينَه وبينَ المَوهوبِ له أنَّه لا يَجوزُ؛ لأنَّ المَوهوبَ مُتصلٌ بما ليسَ بمَوهوبٍ اتِّصالَ جُزءٍ بجُزءٍ فمنَعَ صِحةَ القَبضِ.
ولو جَذَّ الثَّمرَ وحصَدَ الزَّرعَ ثم سلَّمَه فارِغًا جازَ؛ لأنَّ المانِعَ من النَّفاذِ -وهو ثُبوتُ المِلكِ- قد زالَ.
ولو جمَعَ بينَهما في الهِبةِ فوهَبَهما جَميعًا وسلَّمَ مُتفرِّقًا جازَ، ولو فرَّقَ بينَهما في الهِبةِ فوهَبَ كلَّ واحِدٍ منهما بعَقدٍ على حِدةٍ بأنْ وهَبَ الأرضَ ثم الزَّرعَ أو الزَّرعَ ثم الأرضَ؛ فإنْ جمَعَ بينَهما في التَّسليمِ جازَتِ الهِبةُ فيهما جَميعًا، وإنْ فرَّقَ لا تَجوزُ الهِبةُ فيهما جَميعًا قدَّمَ أو أخَّرَ سَواءٌ، بخِلافِ الفَصلِ الأولِ؛ لأنَّ المانِعَ من صِحةِ القَبضِ هنا الاتِّصالُ وهو لا يَختلفُ، والمانِعُ هناك الشَّغلُ، وهو يَختلفُ، نَظيرُ هذا إذا وهَبَ نِصفَ الدارِ مَشاعًا من رَجلٍ ولم يُسلِّمْ إليه حتى وهَبَ النِّصفَ الباقيَ منه وسلَّمَ الكلَّ فهو يَجوزُ، ولو وهَبَ النِّصفَ وسلَّمَ ثم وهَبَ الباقيَ وسلَّمَ لا يَجوزُ، كذا هذا.