وقالَ الحَنابلةُ: وصِفةُ الرُّجوعِ من الأبِ فيما وهَبَ لوَلدِه أنْ يَقولَ: «قد رجَعتُ في هِبتي أو ارتجَعتُها أو ردَدتُها»، ونَحوَه، ك «عُدتُ فيها أو أعَدتُها إلى مِلكي»، ونَحوِ ذلك مما يَدلُّ على الرُّجوعِ، والأكمَلُ «رجَعتُ فيما وهَبتُ لك من كذا، وسَواءٌ علِمَ الوَلدُ برُجوعِ أبيه أو لم يَعلمْ.
ولا يَثبُتُ الرُّجوعُ بتَصرُّفِ الأبِ فيما وهَبَه لابنِه ببَيعٍ أو هِبةٍ بعدَ قَبضِ الابنِ ولو نَوى الأبُ بالتَّصرُّفِ الرُّجوعَ؛ لأنَّ مِلكَ المَوهوبِ له ثابِتٌ يَقينًا فلا يَزولُ إلا بيَقينٍ، وهو صَريحُ القَولِ.
فأمَّا إنْ أخَذَ ما وهَبَه لوَلدِه؛ فإنْ نَوى به الرُّجوعَ كانَ رُجوعًا، والقَولُ قَولُه في نيَّتِه، وإنْ لم يَعلَمْ هل نَوى الرُّجوعَ أو لا، وكانَ ذلك بعدَ مَوتِ الأبِ؛ فإنْ لم تُوجَدْ قَرينةٌ تَدلُّ على الرُّجوعِ لم يُحكَمْ بكَونِه رُجوعًا؛ لأنَّ الأخذَ يَحتملُ الرُّجوعَ وغيرَه، فلا نُزيلُ حُكمًا يَقينًا بأمرٍ مَشكوكٍ فيه.
وإنِ اقترَنَت به قَرائنُ دالَّةٌ على الرُّجوعِ ففيه وَجهان:
أحدُهما: يَكونُ رُجوعًا، اختارَه ابنُ عَقيلٍ؛ لأنَّنا اكتَفَينا في العَقدِ بدِلالةِ الحالِ، ففي الفَسخِ أَولى، ولأنَّ لَفظَ الرُّجوعِ إنَّما كانَ رُجوعًا لدِلالتِه عليه، فكذلك كلُّ ما دَلَّ عليه.