للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


ذلك مما ذكَرنا لم يَكُنْ عِوضًا، بل كانَ هِبةً مُبتدأةً، ولكلِّ واحِدٍ منهما حَقُّ الرُّجوعِ؛ لأنَّه لم يَجعلِ الباقيَ مُقابَلًا بالأولِ؛ لانعِدامِ ما يَدلُّ على المُقابلةِ، فكانت هِبةً مُبتدأةً فيَثبتُ فيها الرُّجوُع.
والثاني: ألَّا يَكونَ العِوضُ في العَقدِ مَملوكًا بذلك العَقدِ، حتى لو عوَّضَ المَوهوبُ له الواهِبَ بالمَوهوبِ لا يَصحُّ ولا يَكونُ عِوضًا.
وإنْ عوَّضَه ببَعضِ المَوهوبِ عن باقيه فإنْ كانَ المَوهوبُ على حالِه التي وقَعَ عليها العَقدُ لم يَكُنْ عوضًا؛ لأنَّ التَّعويضَ ببَعضِ المَوهوبِ لا يَكونُ مَقصودَ الواهِبِ عادةً؛ إذْ لو كانَ ذلك مَقصودَه لأمسَكَه ولم يَهَبْه فلم يَحصُلْ مَقصودُه بتَعويضِ بَعضِ ما دخَلَ تحتَ العَقدِ، فلا يَبطُلُ حَقُّ الرُّجوعِ، وإنْ كانَ المَوهوبُ قد تَغيَّرَ عن حالِه تَغيُّرًا يَمنعُ الرُّجوعَ فإنَّ بَعضَ المَوهوبِ يَكونُ عِوضًا عن الباقي؛ لأنَّه بالتَّغيُّرِ صارَ بمَنزلةِ عَينٍ أُخرى فصلُحَ عِوضًا، هذا إذا وهَبَ شَيئًا واحِدًا أو شَيئَينِ في عَقدٍ واحِدٍ، فأمَّا إذا وهَبَ شَيئَينِ في عَقدَينِ فعوَّضَ أحدُهما عن الآخَرِ فقد اختُلفَ فيه، قالَ أَبو حَنيفةَ عليه الرحمةُ ومُحمدٌ: يَكونُ عِوضًا، وقالَ أَبو يُوسفَ: لا يَكونُ عِوضًا.
وَجهُ قَولِ أَبي يُوسفَ أنَّ حَقَّ الرُّجوعِ ثابِتٌ في غيرِ ما عِوضٍ؛ لأنَّه مَوهوبٌ، وحَقُّ الرُّجوعِ في الهِبةِ ثابِتٌ شَرعًا، فإذا عُوِّض يَقعُ عن الحَقِّ المُستحَقِّ شَرعًا فلا يَقعُ مَوقعَ العِوضِ، بخِلافِ ما إذا تغيَّرَ المَوهوبُ فجعَلَ بَعضَه عِوضًا عن الباقي أنَّه يَجوزُ، وكانَ مَكانًا عِوضًا؛ لأنَّ حَقَّ الرُّجوعِ قد بطَلَ بالتَّغيُّرِ فجازَ أنْ يَقعَ مَوقعَ العِوضِ.
وَجهُ قَولِهما إنَّهما ملَكا بعَقدَين مُتباينَين فجازَ أنْ يُجعلَ أحدُهما عِوضًا عن الآخَرِ وهذا لأنَّه يَجوزُ أنْ يَكونَ مَقصودُ الواهِبِ من هِبتِه الثانيةِ عَودَ الهِبةِ الأُولى؛ لأنَّ الإنسانَ قد يَهبُ شَيئًا ثم يَبدو له الرُّجوعُ، فصارَ المَوهوبُ بأحدِ العَقدَين بمَنزلةِ عَينٍ أُخرى بخِلافِ ما إذا عوَّضَ بَعضُ المَوهوبِ عن الباقي وهو على حالِه التي وقَعَ عليها العَقدُ؛ لأنَّ بَعضَ المَوهوبِ لا يَكونُ مَقصودَ الواهِبِ، فإنَّ الإنسانَ لا يَهبُ شَيئًا ليُسلَّمَ له بَعضُه عِوضًا عن باقيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>