للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَولِه تَعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠] وأرادَ بالصَّدقةِ في الآيتَينِ البَراءةَ.

وهذا يَدلُّ على صِحةِ البَراءةِ بلَفظِ الصَّدقةِ، وعلى أنَّ الصَّدقةَ تَصحُّ على الغَنيِّ والفَقيرِ، وعلى أنَّ صَدقةَ التَّطوُّعِ تَصحُّ على بَني هاشِمٍ، وبَني المُطَّلبِ؛ لأنَّه لم يُفرِّقْ في الآيتَينِ.

والخِلافُ بينَ القَديمِ والجَديدِ في صِحةِ البَراءةِ من المَجهولِ مَبنيٌّ على أنَّ البَراءةَ تَمليكٌ أو إِسقاطٌ؛ فإنْ قلُنا: «تَمليكٌ» وهو الصَّحيحُ، لا تَصحُّ البَراءةُ من المَجهولِ، وإنْ قُلنا: «إِسقاطٌ» صَحَّ الإبراءُ من المَجهولِ، وتَظهرُ ثَمرةُ الخِلافِ فيما لو اغتابَ شَخصٌ شَخصًا آخَرَ ثم قالَ له: «اغتَبتُك فاجعَلني في حِلٍّ»، ففعَلَ وهو لا يَدري بم اغتابَه به، فهل يُبرأُ؟ فيه وَجهانِ:

أحدُهما: يُبرأُ؛ لأنَّه إِسقاطٌ مَحضٌ كمَن قطَعَ عُضوًا من عَبدٍ ثم عَفا سَيدُه عن القِصاصِ وهو لا يَعلمُ عَينَ المَقطوعِ؛ فإنَّه يَصحُّ.

والثانِي -وهو أصَحُّهما-: لا يُبرأُ؛ لأنَّ المَقصودَ رِضاه، ولا يُمكنُ الرِّضا بالمَجهولِ، ويُخالِفُ القِصاصَ؛ فإنَّه مَبنيٌّ على التَّغليبِ والسِّرايةِ بخِلافِ إسقاطِ المَظالِمِ (١).


(١) «البيان» (٨/ ١٤٣)، و «الشرح الكبير» (٥/ ١٥٧)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٤٥٠، ٤٥١)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٦٨)، و «الديباج» (٢/ ٢٨٢)، و «كفاية الأخيار» ص (٣١٧)، و «إعانة الطالبين» (٣/ ٢٨٨، ٢٨٩)، و «المغني» (٥/ ٣٨٥)، و «الإنصاف» (٧/ ١٢٧، ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>