وعن زَيدِ بنِ ثابِتٍ ﵁«أنَّ النَّبيَّ ﷺ جعَلَ العُمرَى للوارِثِ».
وقد رَوى مالِكٌ حَديثَ العُمرَى في مُوطَّئِه، وهو صَحيحٌ رَواه جابِرٌ وابنُ عُمرَ وابنُ عباسٍ ومُعاويةُ وزَيدُ بنُ ثابِتٍ وأَبو هُريرةَ، وقَولُ القاسِمِ لا يُقبَلُ في مُخالَفةِ مَنْ سَمَّيْنا من الصَّحابةِ والتابِعينَ، فكيف يُقبَلُ في مُخالفةِ قَولِ سَيِّدِ المُرسَلين؟! ولا يَصحُّ أنْ يُدَّعى إِجماعُ أهلِ المَدينةِ لكَثرةِ مَنْ قالَ بها منهم، وقَضى بها طارِقٌ بالمَدينةِ بأمرِ عبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ، وقَولُ ابنِ الأَعرابيِّ: إنَّها عندَ العَربِ تَمليكُ المَنافعِ لا يَضرُّ إذا نقَلَها الشَّرعُ إلى تَمليكِ الرَّقبةِ كما نقَلَ الصَّلاةَ من الدُّعاءِ إلى الأَفعالِ المَنظومةِ، ونقَلَ الظِّهارَ والإِيلاءَ من الطَّلاقِ إلى أَحكامٍ مَخصوصةٍ، قَولُهم: إنَّ التَّمليكَ لا يَتأقَّتُ: قُلنا: فلذلك أبطَلَ الشَّرعُ تَأقيتَها وجعَلَها تَمليكًا مُطلَقًا.
فَصلٌ: إذا شُرطَ في العُمرَى أنَّها للمُعمَرِ وعَقِبِه، فهذا تَأكيدٌ لحُكمِها، وتَكونُ للمُعمَرِ ووَرثتِه، وهذا قَولُ جَميعِ القائِلينَ بها، وإذا أطلَقَها فهي للمُعمَرِ ووَرثتِه أيضًا؛ لأنَّها تَمليكٌ للرَّقبةِ فأشبَهَت الهِبةَ (١).
وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ العُمرَى إنَّما هي تَمليكُ مَنفعةِ شَيءٍ مَملوكٍ -عَقارًا كانَ أو غيرَه، كفَرسٍ وبَعيرٍ- مُدةَ حَياةِ المُعطِي بغيرِ عِوضٍ إِنشاءً، وليسَت تَمليكَ رَقبةٍ، كقَولِه:«أسكَنتُك هذه الدارَ عُمرَك أو وَهبتُك سُكناها عُمرَك». ولا يُشترطُ لَفظُ الإِعمارِ، بل ما دَلَّ على تَمليكِ المَنفعةِ.
(١) «المغني» (٥/ ٣٩٩، ٤٠١)، و «الكافي» (٢/ ٤٧٢)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٧٢، ٣٧٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤٠٢، ٤٠٤)، و «منار السبيل» (٢/ ٣٥٠، ٣٥١).