الضَّرورةُ إليه عادةً كما تقدَّمَ أنَّ الجَهالاتِ ثَلاثةُ أقسامٍ، فكذلك الغَررُ والمَشقةُ.
وثانيهما: ما هو إِحسانٌ صِرفٌ لا يُقصدُ به تَنميةُ المالِ، كالصَّدقةِ والهِبةِ والإبراءِ؛ فإنَّ هذه التَّصرفاتِ لا يُقصدُ بها تَنميةُ المالِ، بل إنْ فاتَتْ على مَنْ أحسَنَ إليه بها فلا ضَررَ عليه؛ فإنَّه لم يَبذُلْ شَيئًا، بخِلافِ القِسمِ الأولِ إذا فاتَ بالغَررِ والجَهالاتِ ضاعَ المالُ المَبذولُ في مُقابَلتِه، فاقتَضَت حِكمةُ الشَّرعِ مَنعَ الجَهالةِ فيه، أمَّا الإِحسانُ الصِّرفُ فلا ضَررَ فيه، فاقتَضَت حِكمةُ الشَّرعِ وحَثُّه على الإِحسانِ التَّوسعةَ فيه بكلِّ طَريقٍ بالمَعلومِ والمَجهولِ؛ فإنَّ ذلك أيسَرُ لكَثرةِ وُقوعِه قَطعًا، وفي المَنعِ من ذلك وَسيلةٌ إلى تَقليلِه، فإذا وهَبَ له عَبدَه الآبِقَ جازَ أنْ يَجدَه فيَحصُلَ له ما يَنتفعُ به، ولا ضَررَ عليه إنْ لم يَجِدْه؛ لأنَّه لم يَبذُلْ شَيئًا، وهذا فِقهٌ جَميلٌ، ثم إنَّ الأَحاديثَ لم يَردْ فيها ما يَعُمُّ هذه الأَقسامَ حتى نَقولَ: يَلزمُ منه مُخالفةُ نُصوصِ صاحِبِ الشَّرعِ، بل إنَّما ورَدَت في البَيعِ ونَحوِه.
وأمَّا الواسِطةُ بينَ الطَّرفَينِ فهي النِّكاحُ فهو من جِهةِ أنَّ المالَ فيه ليسَ مَقصودًا وإنَّما مَقصِدُه المَودَّةُ والأُلفةُ، والسُّكونُ يَقتَضي أنْ يَجوزَ فيه الجَهالةُ والغَررُ مُطلقًا، ومِن جِهةِ أنَّ صاحِبَ الشَّرعِ اشتَرطَ فيه المالَ بقَولِه تَعالى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] يَقتَضي امتِناعَ الجَهالةِ والغَررِ فيه، فلو وجدَ الشَّبهينِ توسَّطَ مالِكٌ فجوَّزَ فيه الغَررَ القَليلَ دونَ الكَثيرِ نحوَ عَبدٍ من غيرِ تَعيينٍ وشَورةِ بَيتٍ ولا يَجوزُ على العَبدِ الآبِقِ والبَعيرِ الشارِدِ؛ لأنَّ