للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلَ أنْ يَقبلَه، ورَوى أبو هُريرةَ أنَّ النَّبيَّ كانَ إذا أُتيَ بطَعامٍ سألَ عنه، فإنْ قالوا: «صَدقةٌ»، قالَ لأَصحابِه «كُلوا»، ولم يأكُلْ، وإنْ قالوا: «هَديةٌ»، ضرَبَ بيَدِه فأكَلَ معهم».

قالَ ابنُ قُدامةَ : ولا خِلافَ بينَ العُلماءِ فيما علِمْنا في أنَّ تَقديمَ الطَّعامِ بينَ يَدَيِ الضِّيفانِ، والإذنَ في أكلِه أنَّ ذلك لا يَحتاجُ إلى إيجابٍ ولا قَبولٍ ولأنَّه وُجدَ ما يَدلُّ على التَّراضي بنَقلِ المِلكِ فاكتُفيَ به كما لو وُجدَ الإِيجابُ والقَبولُ.

قالَ ابنُ عَقيلٍ: إنَّما يُشترطُ الإِيجابُ مع الإطلاقِ وعَدمِ العُرفِ القائِمِ من المُعطي والمُعطَى؛ لأنَّه إذا لم يَكنْ عُرفٌ يَدلُّ على التَّراضي فلا بدَّ من قَولٍ دالٍّ عليه، أمَّا مع قَرائنِ الأحوالِ والدَّلائلِ فلا وَجهَ لتَوقُّفِه على اللَّفظِ، ألَا تَرى أنَّا اكتَفَينا بالمُعاطاةِ في البَيعِ واكتَفَينا بدِلالةِ الحالِ في دُخولِ الحَمَّامِ وهو إجارةٌ وبَيعُ أَعيانٍ؟! فإذا اكتَفَينا في المُعاوضاتِ مع تأكُّدِها بدِلالةِ الحالِ؛ فإنَّها تَنقُلُ المِلكَ من الجانبَينِ فلَأنْ نَكتفيَ بها في الهِبةِ أَولى.

وأمَّا النِّكاحُ فإنَّه يُشترطُ فيه ما لا يُشترطُ في غيرِه من الإشهادِ، ولا يَقعُ إلا قَليلًا فلا يَشقُّ اشتِراطُ الإِيجابِ والقَبولِ فيه بخِلافِ الهِبةِ (١).


(١) «المغني» (٥/ ٣٨٢)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٤٨، ٢٤٩)، و «المبدع» (٥/ ٣٦٢)، و «الإنصاف» (٧/ ١١٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٣٩٤، ٣٩٥)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٦٠)، و «منار السبيل» (٢/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>