وفُقرائِهم، فكانت تلك الأَموالُ يُعطاها الناسُ لا مِنْ جِهةِ الفَقرِ، ولكنْ بحُقوقِهم فيها، فكرِهَ رَسولُ اللهِ ﷺ لعُمرَ حين أَعطاه قَولَه:(أعطِهِ مَنْ هو أفقَرُ إليه مِنِّي)؛ لأنَّه إنَّما أَعطاه لمَعنًى غيرِ الفَقرِ، ثم قالَ له:(خُذْه فتَموَّلْه)، هكذا رَواه شُعيبٌ عن الزُّهريِّ، فدَلَّ على أنَّ ذلك ليسَ من أموالِ الصَّدقاتِ؛ لأنَّ الفَقيرَ لا يَنبَغي له أنْ يأخُذَ من الصَّدقاتِ ما يَنبَغي له أنْ يَتَّخذَه مالًا كانَ عن مَسألةٍ أو غيرِ مَسألةٍ، ثم قالَ:(إذا جاءَك من هذا المالِ) الذي هذا حُكمُه (فخُذْه).
قالَ الطَّبريُّ: اختَلفَ العُلماءُ في مَعنى قَولِه ﷺ لعُمرَ: (ما جاءَك من هذا المالِ فخُذْه)، بعدَ إِجماعِهم على أنَّه أمرُ نَدبٍ وإرشادٍ، فقالَ بَعضُهم: هو نَدبٌ من النَّبيِّ ﷺ لكلِّ مَنْ أعطى عَطيةً إلى قَبولِها كائِنًا مَنْ كانَ مُعطيها، سُلطانًا أو عامِّيًّا، صالِحًا أو فاسِقًا، بعدَ أنْ يَكونَ ممَّن تَجوزُ عَطيتُه.
ذِكرُ مَنْ قالَ ذلك: رُويَ عن أَبي هُريرةَ أنَّه قالَ: «ما أحدٌ يُهدي إلَيَّ هَديةً إلا قبِلتُها، فأمَّا أنْ أسألَ فلا». ورُويَ عن أبي الدَّرداءِ مِثلُه.
وقبِلَت عائِشةُ من مُعاويةَ، وقالَ حَبيبُ بنُ أبي ثابِتٍ: رأيتُ هدايا المُختارِ تأتي ابنَ عُمرَ وابنَ عباسٍ فيَقبَلانها، وقالَ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ: جَوائِزُ السُّلطانِ لَحمُ ظَبيٍ زَكيٍّ، وبعَثَ سَعيدُ بنُ العاصِ إلى علِيِّ بنِ أبي طالِبٍ هَدايا فقبِلَها، وقالَ: خُذْ ما أعطَوْك، وأجازَ مُعاويةُ الحُسَينَ بأربَعمِئةِ ألْفٍ، وسُئِل أبو جَعفرٍ مُحمدُ بنُ علِيِّ بنِ حُسَينٍ عن هَدايا السُّلطانِ فقالَ: إنْ