الثاني: إذا دفَعَ الرِّشوةَ خَوفًا على نَفسِه أو مالِه فهو حَرامٌ على الآخِذِ غيرُ حَرامٍ على الدافعِ، وكذا إذا طمِعَ في مالِه فرَشاه ببَعضِ المالِ.
ومنها: إذا دفَعَ الرِّشوةَ ليُسويَ أمرَه عندَ السُّلطانِ حلَّ له الدَّفعُ ولا يَحلُّ للآخِذِ أنْ يأخُذَ؛ فإنْ أرادَ أنْ يَحلَّ للآخِذِ يَستأجرُ الآخِذَ يَومًا إلى اللَّيلِ بما يُريدُ أنْ يَدفعَ إليه؛ فإنَّه تَصحُّ هذه الإجارةُ، ثم المُستأجرُ إنْ شاءَ استعمَلَه في هذا العَملِ وإنْ شاءَ استعمَلَه في غيرِه، هذا إذا أَعطاه الرِّشوةَ أولًا ليُسويَ أمرَه عندَ السُّلطانِ، وإنْ طلَبَ منه أنْ يُسويَ أمرَه ولم يَذكرْ له الرِّشوةَ وأعطاه بعدَما يُسوي اختلَفوا فيه، قالَ بَعضُهم: لا يَحلُّ له أنْ يَأخذَ. وقالَ بعضُهم: يَحلُّ. وهو الصَّحيحُ؛ لأنَّه يُريدُ مُجازاةَ الإِحسانِ فيَحلُّ.
ولم أرَ قِسمًا يَحلُّ الأَخذُ فيه دونَ الدَّفعِ.
وأمَّا الحَلالُ من الجانبَينِ فهو الإِهداءُ للتَّوددِ والمَحبةِ، كما صرَّحوا به، وليسَ هو من الرِّشوةِ لمَا علِمتَ.
وفي «القُنية» قُبيلَ التَّحرِّي: الظَّلمةُ تَمنعُ الناسَ من الاحتِطابِ من المُروجِ إلا بدَفعِ شَيءٍ إليهم، فالدَّفعُ والأخذُ حَرامٌ؛ لأنَّه رِشوةٌ.
وفيها ما يَدفعُه المُتعاشِقان رَشوةً يَجبُ رَدُّها ولا تُملَّكُ.
فهذا يُفيدُ أنَّ الآخِذَ لا يَملكُها، وقد صرَّحَ به في هِبةِ «القُنية» قالَ: وفي «السِّير الكَبير» الرِّشوةُ لا تُملَكُ … أَبرأه عن الدَّينِ ليُصلِحَ مُهِمَّه عندَ السُّلطانِ لا يُبرأُ وهو رِشوةٌ.
ولو أَبى الاضطِجاعَ عندَ امرأتِه فقالَ: أبرِئيني عن المَهرِ فأضطجِعَ