وإنْ تلِفَت الدابَّةُ بعدَ أنْ مضَت مُدةٌ لمِثلِها أُجرةٌ فإنَّ المالكَ يَدَّعي أُجرةَ ما مَضى ولا يَدَّعي القِيمةَ، والراكِبُ يُنْكِرُ الأُجرةَ ويُقرُّ له بالقِيمةِ، واختَلفَ أَصحابُنا فيها:
فمنهم مَنْ قالَ: يُنظَرُ فيه؛ فإنْ كانَت الأُجرةُ والقِيمةُ سَواءً فإنَّ الحاكمَ يَأخذُ ذلك مِنْ الراكِبِ، ويَدفعُه إلى المالكِ مِنْ غيرِ يَمينٍ؛ لأنَّهما قد اتَّفَقا على استِحقاقِ مالكِ الدابَّةِ لذلك، وإنِ اختَلفا في سَببِه، فإنْ كانَت القِيمةُ أَكثرَ مِنْ الأُجرةِ ألزَمَه الحاكمُ دَفعَ قَدرِ الأُجرةِ، وقيلَ للمالكِ: «أنت لا تدَّعي الزِّيادةَ على قَدرِ الأُجرةِ، فإن أرَدْت أنْ تَستِحقَّه فأقِرَّ أنَّك أعرْتَه ولَم تُؤاجِرْه»، وإنْ كانَت الأُجرةُ أَكثرَ مِنْ القِيمةِ ألزَمَه الحاكمُ أنْ يَدفعَ إليه قَدرَ القِيمةِ، وكانَ الحُكمُ في الزِّيادةِ على الطَّريقَينِ إذا كانَت الدابَّةُ باقِيةً.
ومنهم مَنْ قالَ: يَسقُطُ إِقرارُه بالقِيمةِ؛ لأنَّه أقرَّ بها لمَن لا يَدَّعيها، والمالكُ يَدَّعي الأُجرةُ والراكِبُ يُنكِرُ، ومَن القولُ قولُه؟ على الطَّريقَينِ إذا كانَت الدابَّةُ باقِيةً (١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وإنِ اختَلفا في ذلك بعدَ تَلفِ البَهيمةِ قبلَ مُضي مدةٍ لِمثلِها أجرٌ فالقولُ قولُ المالكِ، سواءٌ ادَّعى الإِجارةَ أو الإِعارةَ؛ لأنَّه إنِ ادَّعى الإِجارةَ فهو مُعتَرفٌ للراكِبِ ببَراءةِ ذمَّتِه مِنْ ضَمانِها، فيُقبَلُ إِقرارُه على نَفسِه، وإنِ ادَّعى الإِعارةَ فهو يَدَّعي قِيمتَها فالقولُ قولُه؛ لأنَّهما
(١) «البيان» (٦/ ٥٣٢، ٥٣٣). ويُنظَر: «المهذب» (١/ ٣٣٦)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٦٣٢، ٦٣٣)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٨٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute