قالَ الحَنفيةُ: إذا كانَ الوَقفُ على مُعيَّنٍ فالعِمارَةُ المُستحَقَّةُ عليه إنَّما هي بقَدرِ ما يَبقى المَوقوفُ بها على الصِّفةِ التي وُقِفَ عليها، فإنْ خَرِبَ يُبنَى كذلكَ، فأمَّا الزِّيادةُ فلَيسَتْ بمُستَحقَّةٍ، فلا تُصرَفُ في العِمارةِ إلَّا برِضاه، وعليه يُمنَعُ البَياضُ والحُمرَةُ على الحيطانِ مِنْ مالِ الوَقفِ إنْ لم يَكنْ فَعَلَه الواقفُ، وإنْ فعَلَه فلا مَنْعَ.
ولو كانَ الوَقفُ على الفُقراءِ فكذلكَ على الأصَحِّ لا يُزادُ على الصِّفةِ التي كانَ عليها، وعندَ آخَرينَ يَجوزُ ذلكَ -أي الزِّيادَةُ-، والأولُ أصَحُّ؛ لأنه صَرفُ حقِّ الفُقراءِ إلى غيرِ ما يُستحَقُّ عليهم، ولا تُؤخَّرُ العِمارةُ إذا احتِيجَ إليها وتُقطَعُ الجِهاتُ المَوقوفةُ عليها لها إنْ لم يُخَفْ ضَررٌ بَيِّنٌ، فإنْ خِيفَ قُدِّمَ (١).
وعِمارةُ الوَقفِ تَحصلُ بأحَدِ أمرَينِ:
أوَّلُهما: تَعهُّدُه بالحِفظِ والصِّيانةِ وعَملِ ما يُحقِّقُ الانتفاعَ به على الدَّوامِ، حتى وإنْ كانَ صالِحًا الآنَ للانتِفاعِ به وليس به خَللٌ.
وثانيهِما: ببِنائِه وتَرميمِه وتَجصيصِ ما تَشقَّقَ وما تَهدَّمَ منه.
قالَ الحَنفيةُ: يُبدأُ مِنْ غلَّةِ الوَقفِ بعِمارتِه، بأنْ يُصرَفَ إلى المَوقوفِ عليه حتى يَبقى على ما كانَ عليه دونَ الزِّيادةِ إنْ لم يُشترطْ ذلكَ.
(١) «شرح فتح القدير» (٦/ ٢٢٢، ٢٢٣)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٣٦٧).