للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحمدُ بنُ عَبدِ اللهِ الأنصاريُّ: يَجوزُ وَقفُ الدَّنانيرِ؛ لأنه لا يُنتفعُ بها بلا استِهلاكِ عَينِها، وتُدفعُ مُضارَبةً ويُصرَفُ رِبحُها في مَصرِفِ الوَقفِ، ومَعلومٌ أنَّ القَرضَ والقِراضَ يُذهِبُ عيْنَه ويَقومُ بَدلُه مَقامَه، وجَعلُ المُبدَلِ به قائِمًا مَقامَه لمَصلحةِ الوَقفِ وإنْ لم تَكنِ الحاجةُ ضَرورةَ الوَقفِ لذلكَ، وهذه المَسألةُ فيها نِزاعٌ في مَذهبِه، فكَثيرٌ مِنْ أصحابِه مَنَعوا وقْفَ الدَّراهمِ والدَّنانيرِ؛ لِما ذكَرَه الخِرَقيُّ ومَن اتَّبعَه، ولمْ يَذكُروا عن أحمدَ نَصًّا بذلكَ، ولم يَنقلْه القاضي وغيرُه إلَّا عن الخِرقيِّ وغَيرِه.

وقد تأوَّلَ القاضي رِوايةَ المَيمونِيِّ فقالَ: ولا يَصحُّ وَقفُ الدَّراهمِ والدَّنانيرِ على ما نقَلَ الخِرقيُّ، قالَ: قالَ أحمَدُ في رِوايةِ المَيمونِيِّ: إذا وقَفَ ألفَ دِرهمٍ في سَبيلِ اللهِ وللمَساكينِ فلا زَكاةَ فيها، وإنْ وقَفَها في الكُراعِ والسِّلاحِ فهيَ مَسألةُ لُبسٍ، قالَ: ولم يُرِدْ بهذا وقْفَ الدَّراهمِ، وإنَّما أرادَ إذا أَوصَى بألفٍ تُنفَقُ على أفراسٍ في سَبيلِ اللهِ، فتَوقَّفَ في صِحةِ هذه الوَصيةِ، قالَ أبو بَكرٍ: لأنَّ نَفقةَ الكُراعِ والسِّلاحِ على مَنْ وقَفَه، فكأنهُ اشتَبهَ عليه إلى أينَ تُصرفُ هذه الدَّراهمُ إذا كانَ نَفقةُ الكُراعِ والسِّلاحِ على أصحابِه.

والأولُ أصَحُّ؛ لأنَّ المَسألةَ صَريحةٌ في أنه وقَفَ الألفَ ولم يُوصِ بها بعد مَوتِه؛ لأنه لو وَصَّى أنْ تُنفَقَ على خَيلٍ وقَفَها غيرُه جازَ ذلكَ بلا نِزاعٍ، كما لو وَصَّى بما يُنفَقُ على مَسجدٍ بَناهُ غيرُه (١).


(١) «مجموع الفتاوى» (٣١/ ٢٣٤، ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>