للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخربَ المَوقوفُ عليه؛ لأنَّ مَقصودَ الوَقفِ التَّأبيدُ كالعِتقِ، وهذا كقَولِه: «جَعلْتُ أَرضي هذه صَدقةً مَوقوفةً على أولادِ فُلانٍ ما تَناسَلوا فإذا انقَرَضوا كانَتْ غَلتُها للمَساكينِ»؛ لأنَّ أثَرَ المَساكينِ لا يَنقطعُ أبَدًا، وإذا لم يَقُلْ ذلكَ لم يَصحَّ؛ لأنَّ شرْطَ جَوازِه عندهُما أنْ يَكونَ مُؤبَّدًا، فإذا عيَّنَ جِهةً تَنقطعُ صارَ مُؤقَّتًا مَعنًى فلا يَجوزُ؛ لأنَّ حُكمَ الوَقفِ زَوالُ المِلكِ بغَيرِ التَّمليكِ، وإنه بالتَّأبيدِ كالعِتقِ، ولهذا كانَ التَّوقيتُ مُبطِلًا له كالتَّوقيتِ في البَيعِ (١).

وذهَبَ أبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في الأظهَرِ والحَنابلةُ إلى أنَّ الوَقفَ صَحيحٌ.

قالَ أبو يُوسفَ: إذا سَمَّى جِهةً تَنقطعُ جازَ وصارَ بعدَها للفُقراءِ، وإنْ لم يُسمِّهمْ صارَ وَقفًا مُؤبَّدًا وإنْ لم يَذكُرِ التأبيدَ؛ لأنَّ لفْظَ الوَقفِ والصدقةِ مُنبئٌ عنه، فيُصرفُ إلى الجِهةِ التي سَمَّاها مدَّةَ دَوامِها، ويُصرفُ بعدَها للفُقراءِ وإنْ لم يُسمِّهم.

وذلكَ مِثلَ أنْ يَقولَ: «جَعلتُها صَدقةً مَوقوفةً للهِ تعالى أبدًا على وَلدِ فُلانٍ ووَلدِ وَلدِه» ولم يَذكُرِ الفُقراءَ ولا المَساكينَ؛ وذلكَ لأنه إذا جعَلَها للهِ فقد أبَّدَها؛ لأنَّ ما يَكونُ للهِ فهو يَنصرفُ إلى المَساكينِ، فصارَ كما لو ذكَرَهُم.


(١) «شرح فتح القدير» (٦/ ٢١٣)، و «العناية شرح الهداية» (٨/ ٣٣١، ٣٣٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٠١)، و «اللباب» (١/ ٦٢١)، و «البحر الرائق» (٥/ ٢٠٤، ٢١٢)، و «ابن عابدين» (٤/ ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>