قالَ الحَنفيةُ: يُشترطُ في الوَقفِ أنْ يَكونَ قُربةً في ذاتِه، بأنْ يَكونَ مِنْ حيثُ النَّظرُ إلى ذاتِه وصورَتِه قُربةً، والمُرادُ أنْ يَحكُمَ الشرعُ بأنه لو صدَرَ مِنْ مُسلِمٍ يَكونُ قُربةً؛ حَملًا على أنه قصَدَ القُربةَ (١).
وقالَ الحَنابلةُ: يُشترطُ أنْ يَكونَ الوَقفُ على بِرٍّ، وهو اسمٌ جامِعٌ للخيرِ، وأصلُه الطَّاعَةُ للهِ تعالى، والمُرادُ اشتِراطُ مَعنى القُربةِ في الصَّرفِ إلى المَوقوفِ عليه؛ لأنَّ الوَقفَ قُربةٌ وصَدقةٌ، فلا بُدَّ مِنْ وُجودِها فيما لأجلِه الوَقفُ؛ إذ هو المَقصودُ، سَواءٌ كانَ الوَقفُ مِنْ مُسلِمٍ أو ذِميٍّ؛ لأنَّ ما لا يَصحُّ مِنْ المُسلمِ الوَقفُ عليه لا يَصحُّ مِنْ الذِّميِّ، كالوَقفِ على غَيرِ مُعيَّنٍ.
والقُربةُ قد تَكونُ على الآدَميِّ كالفُقراءِ والمَساكِينِ والغُزاةِ والعُلماءِ والمُتعلِّمينَ، وقد تَكونُ على غَيرِ آدَميٍّ كالحَجِّ والغَزوِ وكِتابةِ الفِقهِ وكِتابةِ العِلمِ وكتابةِ القُرآنِ، وكالسِّقاياتِ والقَناطِرِ وإصلاحِ الطُّرقِ والمَساجِدِ والمَدارسِ والبيمارِستاناتِ، وإنْ كانَتْ مَنافِعُها تَعودُ على الآدَميِّ فيُصرَفُ في مَصالِحها عندَ الإطلاقِ، ومِن النَّوعِ الأولِ الأقارِبُ، فيَصحُّ الوَقفُ على القَريبِ مِنْ مُسلِمٍ وذِميٍّ ونحوِ ذلكَ مِنْ القُربِ كالرُّبطِ والخاناتِ لأبناءِ السَّبيلِ.
ولا يَصحُّ الوَقفُ على مُباحٍ كتَعليمِ شِعرٍ مُباحٍ.