للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالصَّوابُ الذي لا تُسوِّغُ الشَّريعةُ غيرَه عَرضُ شَرطِ الواقِفينَ على كِتابِ اللهِ سُبحانَه وعلى شَرطِه، فما وافَقَ كِتابَه وشرْطَه فهو صَحيحٌ، وما خالَفَه كانَ شَرطًا باطِلًا مَردودًا ولو كانَ مِائةَ شَرطٍ، وليسَ ذلكَ بأعظَمَ مِنْ رَدِّ حُكمِ الحاكِمِ إذا خالَفَ حُكمَ اللهِ ورَسولِه ومِن رَدِّ فتوَى المُفتِي، وقد نَصَّ اللهُ سُبحانَه على رَدِّ وَصيةِ الجانِفِ في وَصيتِه والآثِمِ فيها، مع أنَّ الوَصيةَ تَصحُّ في غَيرِ قُربةٍ وهي أوسَعُ مِنْ الوَقفِ، وقد صرَّحَ صاحِبُ الشَّرعِ برَدِّ كُلِّ عَملٍ ليسَ عليه أمرُه، فهذا الشَّرطُ مَردودٌ بنَصِّ رسولِ اللهِ ، فلا يَحِلُّ لأحَدٍ أنْ يَقبلَه ويَعتبِرَهُ ويُصحِّحَه.

ثمَّ كيفَ يُوجِبونَ الوَفاءَ بالشُّروطِ التي إنَّما أخرَجَ الواقفُ مالَه لمَن قامَ بها وإنْ لم تَكنْ قُربةً، ولا للواقِفينَ فيها غَرضٌ صَحيحٌ، وإنَّما غَرضُهم ما يُقرِّبُهم إلى اللهِ، ولا يُوجِبونَ الوفاءَ بالشُّروطِ التي إنَّما بذَلَتِ المَرأةُ بُضعَها للزوجِ بشَرطِ وَفائِه لها بها، ولها فيها أصَحُّ غَرضٍ ومَقصودٍ، وهي أحَقُّ مِنْ كُلِّ شَرطٍ يَجبُ الوفاءُ به بنَصِّ رَسولِ اللهِ ، وهل هذا إلا خُروجٌ عن مَحضِ القِياسِ والسُّنةِ؟! (١).

وقالَ تَقيُّ الدِّينِ السُّبكيُّ : الفُقهاءُ يَقولونَ: «شُروطُ الواقفِ كنُصوصِ الشَّارعِ»، وأنا أقولُ مِنْ طَريقِ الأدَبِ: شُروطُ الواقفِ مِنْ نُصوصِ الشَّارعِ؛ لقَولِه : «المُؤمِنونَ عندَ شُروطِهم»، وإذا


(١) «إعلام الموقعين» (٤/ ٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>