للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي عَبدُ الوَهابِ : ووَجهُ قولِه: «إنها تَكونُ حَبسًا مُحرَّمةً» قَولُه لعُمرَ : «حَبِّسِ الأصلَ وسَبِّلِ الثَّمرةَ»، ومَوضعُ التعلُّقِ منه أنَّ عُمرَ أرادَ أنْ يَتصدَّقَ بالأصلِ صَدقةً تُبتدَأُ، وهي تَمليكُ رَقبتِه، فأشارَ عليه بأنْ يُحبِّسَ أصْلَه ويُسبِّلَ الثَّمرةَ، فدَلَّ على أنَّ الأصلَ يَتأبَّدُ تَحريمُه، ولو لم يَكنْ كذلكَ لم يَكنِ الغَرضُ حاصِلًا؛ لأنه كانَ يَعودُ إلى مِلكِه فيُبطِلُ غرَضَه في التصدُّقِ به، ولأنَّ إطلاقَ القَولِ أنَّ هذا حَبسُ مَنافعِه على التَّأبيدِ مُستَحقه؛ لأنه لم يُقيِّدْ ذلكَ بوَقتٍ دونَ وَقتٍ، فكانَ الإطلاقُ مُقتضِيًا للتَّأبيدِ، وليسَ يُخرجُه عن ذلكَ بَيانُه لمَن حُبسَتْ عليهِ أنْ يَقولَ: «حَبسٌ على فُلانٍ»، لأنَّ ذلكَ لا يُفيدُ تَقييدَ الحَبسِ، وإنَّما يُفيدُ التَّبدئةَ فقطْ، ولأنه لَفظٌ يَقتضِي التَّحبيسَ، فوجَبَ أنْ يَستحقُّ التَّأبيدَ بإطلاقِه، أصلُه لَفظُ الوَقفِ، ولأنَّ لفْظَ «حَبسٌ» مُطلَقٌ، فوجَبَ أنْ يَقتضيَ التَّحريمَ، أصلُه إذا كانَ على مَجهولينَ (١).

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّ الوَقفَ جائِزٌ غَير لازمٍ، وهو على مِلكِ الواقفِ؛ لِما رُوِيَ عن عَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ أنه قالَ: لمَّا نزَلَتْ سُورةُ النِّساءِ وفُرِضتْ فيها الفَرائضُ قالَ رَسولُ اللهِ : «لا حَبْسَ عن فَرائِضِ اللهِ» (٢)، أي: لا مالَ يُحبَسُ بعَدمِ مَوتِ صاحِبِه عن القِسمةِ بينَ


(١) «المعونة» (٢/ ٤٨٩، ٤٩٠).
(٢) رواه البيهقي في «الكبرى» (١١٦٨٨)، و «الدارقطني» (٤/ ٧٨) مِنْ حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ ، وقالَ الدارقُطنيُّ: لَمْ يُسنِدْه غيرُ ابنُ لَهيعةَ عن أخيهِ، وهُمَا ضَعيفانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>