واختَلَفوا فيما لو اشترَى بزِيادةٍ لا يَتغابَنُ النَّاسُ بمِثلِها، هَلْ يَصحُّ الشِّراءُ ولا يَضمَنُ شَيئًا أو يَتوقَّفُ على إجازةِ المُوكِّلِ أو يَبطُلُ الشِّراءُ؟
فَقالَ الحَنفيَّةُ: إنِ اشترَى بزِيادةٍ لا يَتغابَنُ النَّاسُ في مِثلِها يُلزَمُ الوَكيلُ؛ لأنَّ الزِّيادةَ القَليلةَ ممَّا لا يُمكِنُ التَّحَرُّزُ عَنها، فلَو مُنِعَ النَّفاذُ على المُوكِّلِ لَضاقَ الأمْرُ على الوُكَلاءِ، ولامتَنَعوا عن قَبولِ الوِكالاتِ، وبِالنَّاسِ حاجةٌ إليها، فمَسَّتِ الحاجةُ إلى تَحَمُّلِها، ولا ضَرورةَ في الكَثيرِ لِإمكانِ التَّحَرُّزِ عَنه.
والفاصِلُ بينَ القَليلِ والكَثيرِ إنْ كانَتْ زِيادةً تَدخُلُ تَحتَ تَقويمِ المُقَوِّمينَ فهي قَليلةٌ، وما لا تَدخُلُ تَحتَ تَقويمِهم فهي كَثيرةٌ؛ لأنَّ ما يَدخُلُ تَحتَ تَقويمِ المُقَوِّمينَ لا يَتحقَّقُ كَونُه زِيادةً، وما لا يَدخُلُ كانَتْ زيادَتُه مُتَحقِّقةً، وقدَّر مُحمَّدٌ الزِّيادةَ القَليلةَ التي يُتَغابَنُ في مِثلِها في الجامِعِ بنِصفِ العُشرِ، فقالَ: إنْ كانَتْ نِصفَ العُشرِ، أو أقَلَّ، فهي ممَّا يُتَغابَنُ في مِثلِها، وإنْ كانَتْ أكثَرَ مِنْ نِصفِ العُشرِ فهي ممَّا لا يُتغابَنُ في مِثلِها.
وقالَ الجَصَّاصُ ﵀: ما ذكَره مُحمَّدٌ لَم يَخرُجْ مَخرَجَ التَّقديرِ في الأشياءِ كلِّها؛ لأنَّ ذلك يَختلِفُ باختِلافِ السِّلَعِ، مِنها ما يُعَدُّ أقَلَّ مِنْ ذلك غَبنًا فيه، ومِنها ما لا يُعَدُّ أكثَرَ مِنْ ذلك غَبنًا فيه (١).