للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعلى هذا إذا وكَّل المُوكِّلُ رَجُلًا بشِراءِ جاريةٍ، وسمَّى نَوعَها وثَمَنَها، حتى صَحَّتِ الوَكالةُ، فاشترَى جاريةً مَقطوعةَ اليَدِ والرِّجْلِ مِنْ خِلافٍ، أو عَوراءَ، لَزِمَ المُوكِّلَ، وكذا إذا اشترَى جاريةً مَقطوعةَ اليَدَيْنِ أوِ الرِّجلَيْنِ، أو عَمياءَ، عندَ أبي حَنيفةَ، وعندَهُما يَلزَمُ الوَكيلَ.

وَجهُ قَولهما هذا أنَّ الجاريةَ تُشترَى لِلِاستِخدامِ عُرْفًا وعادةً، وغَرَضُ الِاستِخدامِ لا يَحصُلُ عندَ فَواتِ جِنسِ المَنفعةِ، فيَتقيَّدُ بالسَّلامةِ عن هذه الصِّفةِ، بدِلالةِ العُرفِ، ولِهذا قُلْنا: لا يَجوزُ تَحريرُها عن الكَفَّارةِ، وإنْ كانَ نَصُّ التَّحريرِ مُطلَقًا عن شَرطِ السَّلامةِ؛ لِثُبوتِها دِلالةً، كذا هذا.

وَجهُ قَولِ أبي حَنيفةَ هو أنَّ اسمَ الجاريةِ بإطلاقِها يَقَعُ على هذه الجاريةِ، كما يَقَعُ على سَليمةِ الأطرافِ، فلا يَجوزُ تَقييدُ المُطلَقِ إلَّا بدَليلٍ، وقَد وُجِدَ.

وأمَّا في بابِ الكَفَّارةِ فلأنَّ الأمْرَ تَعلَّق بتَحريرِ رَقَبةٍ، والرَّقَبةُ اسْمٌ لِذاتٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ هذه الأجزاءِ؛ فإذا فاتَ ما يَقومُ به جِنسٌ مِنْ مَنافِعِ الذَّاتِ انتَقَضَتِ الذَّاتُ، فلا يَتناوَلُه مُطلَقُ اسمِ الرَّقَبةِ، فأمَّا اسمُ الجاريةِ فلا يَدُلُّ على هذه الذَّاتِ، باعتِبارِ الأجزاءِ، فلا يَقدَحُ نُقصانُها في اسمِ الجاريةِ بخِلافِ اسمِ الرَّقَبةِ، حتى إنَّ التَّوكيلَ لو كانَ بشِراءِ رَقَبةٍ لا يَجوزُ كما يَجوزُ في الكَفَّارةِ، كذا قالوا (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٩، ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>