الثَّاني: ما كانَ مُشتَمِلًا على مَصلَحةٍ مَنظورٍ فيها لِذَاتِ الفِعلِ مِنْ حيثُ هو، وهذا لا يَتوقَّفُ حُصولُ مَصلَحَتِه على المُباشَرةِ، وحينَئذٍ تَصحُّ فيه النِّيابةُ قَطعًا، وذلك كَرَدِّ العَوارِي والوَدائِعِ والمَغصوباتِ لِأهلِها، وقَضاءِ الدُّيونِ، وتَفريقِ الزَّكاةِ ونحوِها؛ فإنَّ مَصلَحةَ هذه الأشياءِ إيصالُ الحُقوقِ لِأهلِها، وذلك ممَّا يَحصُلُ بفِعلِ المُكَلَّفِ لها وغيرِه، فيَبرَأُ المأْمورُ بها بفِعلِ الآخَرينَ، وإنْ لَم يَشعُرْ.
والثَّالثُ: ما كانَ مُشتَمِلًا على مَصلَحةٍ مَنظورٍ فيها لِجِهةِ الفِعلِ ولِجِهةِ الفاعِلِ، فهو مُتَرَدِّدٌ بينَهما، واختَلفَ العُلماءُ في هذا بأيِّهما يُلحَقُ، وذلك كالحَجِّ؛ فإنَّه عِبادةٌ مَعها إنْفاقُ مالٍ، فمالِكٌ ومَن وافَقَه رَأوْا أنَّ مَصلَحَتَه تَأديبُ النَّفسِ وتَهذيبُها وتَعظيمُ شَعائِرِ اللَّهِ ﷾ في تلك البِقاعِ، وإظهارُ الِانقيادِ إليه، وهذا أمْرٌ مَطلوبٌ مِنْ كلِّ قادِرٍ؛ فإذا فَعلَه إنسانٌ عنه فاتَتِ المَصلَحةُ التي طَلبَها الشَّارِعُ مِنه، ورَأوْا أنَّ إنفاقَ المالِ فيه أمْرٌ عارِضٌ، بدَليلِ المَكِّيِّ؛ فإنَّه يَحُجُّ بلا مالٍ، فقَد ألحَقوه بالقِسمِ الأوَل؛ لأنَّ