وَلَكِن لا يَجوزُ لِلوَكيلِ أنْ يَدفعَها بشَيءٍ يُعلَمُ أنَّه حابَى فيه بما لا يَتغابَنُ النَّاسُ في مِثلِه؛ لأنَّ مُطلَقَ التَّوكيلِ يَتقيَّدُ بالمُتَعارَفِ.
فَإنْ دفَعها مَع هذه المُحاباةِ كانَ الزَّرعُ بينَ المُزارَعِ والوَكيلِ على شَرطِهِما، ولا شَيءَ مِنه لِرَبِّ الأرضِ، أي أنَّ الوَكالة تَكونُ باطِلةً في هذه الحالةِ؛ لأنَّ الوَكيلَ صارَ غاصِبًا لِلأرضِ بمُخالَفَتِه المُوكِّلَ، وغاصِبُها إذا دفَعها مُزارَعةً كانَ الزَّرعُ بينَه وبينَ المَدفوعِ إليه على الشَّرطِ.
ولصاحِبِ الأرضِ تَضمينُ الوَكيلِ أو المُزارَعِ نُقصانَ الأرضِ في قَولِ أبي يُوسفَ الأوَل، وقَولِ مُحمَّدٍ؛ فَإنْ ضَمِن المُزارَعُ رجَع على الوَكيلِ بما ضَمِن؛ لأنَّه مُغَرَّرٌ مِنْ جِهَتِه. وفي قَولِ أبي يُوسفَ الآخَرَ: يَضمَنُ المُزارَعَ خاصَّةً؛ لأنَّه هو المُتلِفُ، فأمَّا الوَكيلُ فغاصِبٌ، والعَقارُ عندَه لا يُضمَنُ بالغَصبِ، ثم يَرجِعُ المَزارِعُ على الوَكيلِ لِلغَرَرِ؛ فإنْ كانَ حابَى فيه بما يَتغابَنُ النَّاسُ في مِثلِه فالخارِجُ بينَ المُزارِعِ ورَبِّ الأرضِ على الشَّرطِ، والوَكيلِ هو الذي قبَض نَصيبَ المُوكِّلِ؛ لأنَّه هو الذي أجَّرَ الأرضَ، وإنَّما وجَب نَصيبُ رَبِّ الأرضِ بعَقدِه؛ فهو الذي يَلي قَبضَه، وليسَ لِرَبِّ الأرضِ أنْ يَقبِضَه إلَّا بوَكالةٍ مِنْ الوَكيلِ؛ فإنْ كانَ رَبُّ الأرضِ أمَرَ الوَكيلَ أنْ يَدفعَها مُزارَعةً ولَم يُسَمِّ سَنةً ولا غيرَها جازَ لِلوَكيلِ أنْ يَدفعَها مُزارَعةً سَنَتَه الأُولَى؛ فَإنْ دفَعها أكثَرَ مِنْ ذلك أو بعدَ هذه السَّنةِ ولَم يَدفَعْ هذه السَّنةَ لَم يَجُزْ في الِاستِحسانِ، وفي القياسِ يَجوزُ؛ لأنَّ التَّوكيلَ مُطلَقٌ عن الوَقتِ، ففي أيِّ سَنةٍ دفَعها، وفي أيِّ مُدَّةٍ دفَعها، لَم يَكُنْ فِعلُه مُخالِفًا لِمَا أمَرَه