وهذا لأنَّ الوَكيلَ نائِبٌ عن المُوكِّلِ، مُعَبِّرٌ عن مَنافِعِه في التَصرُّفِ له، ولا يَتحقَّقُ ذلك إلَّا بعِلمِه، بخِلافِ الوَصِيِّ إذا تصرَّفَ بعدَ مَوتِ المُوصِي قبلَ عِلمِه بالوَصِيَّةِ، يُنَفَّذُ تَصرُّفُه استِحسانًا.
فإنَّ مَنْ أوصَى إلى رَجُلٍ غائِبٍ، أي: جعَله وَصِيًّا بعدَ مَوتِه، ثم ماتَ المُوصِي، ثم باعَ الوَصِيُّ شَيئًا مِنْ تَرِكةِ الميِّتِ قبلَ عِلمِه بالوِصايةِ والمَوتِ؛ بَيعُه جائِزٌ استِحسانًا، ويَكونُ ذلك قَبولًا مِنه لِلوِصايةِ حتى لا يَملِكَ إخراجَ نَفْسِه مِنها، والقِياسُ أنَّه لا يَجوزُ، والفَرقُ أنَّ الوَصِيَّ خَلَفٌ عن المُوصِي، قائِمٌ مَقامَه، كالوارِثِ، يَقومُ مَقامَ المُورِّثِ؛ لأنَّ الوِصايةَ خِلافةٌ، وهو النَّائِبُ فيها، ولأنَّ أوانَها بعدَ انقِطاعِ وِلايةِ المُوصِي، وقَد تحقَّقَ ذلك بمَوتِه، وإنَّما جُوِّزَ ذلك لِلحاجةِ؛ فالحاجةُ بعدَ مَوتِ المُوصِي تُصرَفُ إلى مَنْ يَتصرَّفُ قياسًا، فأمَّا هُنا فالوَكالةُ إنابةٌ، والمُوكِّلُ قادِرٌ على التَصرُّفِ بنَفْسِه، فلا حاجةَ إلى إثباتِ حُكمِ الوَكالةِ قبلَ عِلمِ الوَكيلِ بها.
ولو باعَ الوارِثُ تَرِكةَ المَيِّتِ بعدَ مَوتِه وهو لا يَعلَمُ مَوتَه، جازَ بَيعُه، فكذا الوَصِيُّ، بخِلافِ التَّوكيلِ؛ لأنَّه أمْرٌ مِنْ المُوكِّلِ، وحُكمُ الأمْرِ لا يَلزَمُ إلَّا بعدَ العِلمِ، أو سَبَبِه، على ما مَرَّ.
فَإذا ثَبَتَ أنَّ العِلمَ بالتَّوكيلِ شَرطٌ، فإنْ كانَ التَّوكيلُ بحَضرةِ المُوكِّلِ أو كَتَبَ المُوكِّلُ بذلك كِتابًا إليه، فبلَغه، وعلِم ما فيه، أو أرسَلَ إليه رَسولًا فبلَغ الرِّسالةَ، أو أخبَرَه بالتَّوكيلِ رَجُلانِ، أو رَجُلٌ واحِدٌ عَدْلٌ، صارَ وَكيلًا بالإجماعِ، وإنْ أخبَرَه بذلك رَجُلٌ واحِدٌ غيرُ عَدلٍ، فَإنْ صدَّقه صارَ وَكيلًا