وفي الذي يَقولُ: القُطْ زَيتُونِي، فما لَقَطتَ مِنْ شَيءٍ فلَك نِصفُه، فإنَّ هذا يَجوزُ، وبَيعُه لا يَجوزُ.
قالَ ابنُ لُبابةَ ﵀: وقَد رُوِيَ عن مالِكٍ أنَّه لا يَجوزُ، ولَم يَختلِفْ قَولُ مالِكٍ في الرَّجلِ يَكونُ له على الرَّجلِ مِئةَ دِينارٍ، فيَقولُ: ما اقتَضَيتَ مِنْ شَيءٍ مِنْ دَيْنِي فلكَ نِصفُه، أنَّه لا يَجوزُ، وهُما سَواءٌ.
قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: ما هُما سَواءً، والأظهَرُ مِنْ القولَيْنِ أنَّه لا يَجوزُ المُجاعَلةُ على لَقْطِ الزَّيتونِ بالجُزءِ مِنهُ؛ لأنَّ أوله أهوَنُ مِنْ آخِرِه، ولا تَجوزُ في ذلك إلَّا الإجارةُ على جَميعِه، بأنْ يَقولَ: القُطْه كلَّه ولكَ نِصفُه، أو ثُلُثُه.
وأمَّا المُجاعَلةُ على اقتِضاءِ الدَّيْنِ بجُزءٍ ممَّا يُقتَضَى مِنه، فأشهَبُ لا يُجيزُه، والأظهَرُ أنَّه جائِزٌ؛ إذْ لا فَرقَ بينَ أوَله وآخِرِه في العَناءِ في اقتِضائِه.
وأمَّا الحَصادُ والجِدادُ فلا خِلافَ بينَ الفُقهاءِ في جَوازِ المُجاعَلةِ فيه على الجُزءِ مِنه بأنْ يَقولَ له: جُدَّ مِنْ نَخلي ما شِئتَ، أو احصُدْ مِنْ زَرعي ما شِئتَ على أنْ لكَ مِنْ كلِّ ما تَحصُدُ أو تَجُدُّ جُزءَ كذا، لِجُزءٍ يُسَمِّيه، ووَجهُ جَوازِ ذلك باتِّفاقٍ هو أنَّ الحُكمَ فيه أنَّ الجُعلَ عليه لا يَلزَمُ واحِدًا مِنهُما، ولِلمَجعولِ له أنْ يُخرِجَ متى شاءَ، ولِلجاعِلِ أنْ يُخرِجَه متى شاءَ؛ إذْ لو كانَ الحُكمُ فيه أنْ يَلزَمَ الجاعِلَ، ولا يَلزَمَ المَجعولَ له، لَمَا جازَ؛ لأنَّ الجُعلَ يَكونُ وَقتَها فيه ما لا يَجوزُ بَيعُه، وذلك غَرَرٌ (١).
(١) «البيان والتحصيل» (٨/ ٤١٦، ٤١٧)، و «تهذيب المدونة» (٢/ ١٢٢)، و «المختصر الفقهي» (١٢/ ٣٧٣، ٣٧٥)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٥٣٩، ٥٤٠).