العِوَضِ في حالَتَيْه قَوَّى شَبَهَهُ بالإجارةِ، وهذا أظهَرُها، واختارَه ابنُ حَبيبٍ، وحَكاه عن مالِكِ والأخَوَيْنِ.
والأقوالُ الثَّلاثةُ راجِعةٌ لِأصْلٍ، وجاريةٌ على قِياسٍ، وقَولُ ابنِ القاسِمِ في هذا السَّماعِ: له جُعلُ مِثلِه إنْ وجَده، وأجْرُ مِثلِه إنْ لَم يَجِدْه لا يَرجِعُ لِأصلٍ، ولا يَجري على قِياسٍ، وكذا قَوله في المُدوَّنةِ: في إنْ جِئتَ بعَبدِي الآبِقِ فلكَ نِصفُه، له أجْرُ مِثلِه إنْ أتَى به، وإنْ لَم يَأتِ به فلا جُعلَ له، ولا إجارةَ، ولا حَظَّ له في نَظَرٍ ولا قِياسٍ.
قالَ ابنُ عَبدِ السَّلامِ ﵀: معنَى قَوله فيها: إنْ جاءَ به فله أجْرُ مِثلِه أنَّه إنْ أتَى به، وإنْ لَم يَأتِ به فلا جُعلَ، ولا إجارةَ، عندَ المُحقِّقينَ له جُعلُ مِثلِه؛ لأنَّ أجْرَ المِثلِ يَجِبُ، ولو لَم يَظهَرْ لِعَملِه فائِدةٌ، وجُعلُ مِثلِه لا يَجِبُ حتى يَظهَرَ له فائِدةٌ، وهي الإتيانُ بالآبِقِ، ولمَّا علَّق وُجوبَ العِوَضِ مِنه على إتيانِه به دَلَّ على أنَّه أطلَقَ لَفظَ الأجْرِ على الجُعلِ مَجازًا.
قُلتُ: ما عَزاه لِلمُحقِّقِينَ هو ما تَقدَّم لِعَبدِ الحَقِّ، وهو خِلافُ ما تَقدَّم لِابنِ رُشدٍ، ودَليلُ ابنِ رُشدٍ قَولُه في «المُدوَّنةِ»: لا جُعلَ له، ولا إجارةَ، فعَطفُه الإجارةَ على الجُعلِ ظاهِرٌ في عَدمِ إرادَتِه بالإجارةِ الجُعلَ.
قالَ اللَّخميُّ ﵀ في «المُوازيةِ»: مَنْ جعَل في آبِقٍ أو في اقتِضاءِ دَيْنٍ جُعلًا، فإنْ لَم يَجِدْه، أو لَم يَقبِضِ الدَّيْنَ فله نَفقَتُه، فَسَدَ، وإنْ وجَده أو اقتَضاه فله جُعلُ مِثلِه، وإلَّا فلا شَيءَ له.