للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَنابِلةُ: ويُتَّجَه: لا تَصحُّ الجَعالةُ لمَن يَعمَلُ عَملًا عَبَثًا؛ لأنَّه لا فائِدةَ فيه، كَساعٍ يَقطَعُ أيَّامًا في يَومٍ واحِدٍ، ومِثلُه في عَدمِ الصِّحَّةِ تَكليفٌ فَوقَ الطَّاقةِ، كَرَفعِ ثَقيلٍ مِنْ حَجَرٍ أو غيرِه، ومَشْيٍ على حَبلٍ؛ لأنَّه مُخاطَرةٌ لَم يَأذَنْ فيها الشَّارِعُ؛ فلا تَنعَقِدُ الجَعالةُ على شَيءٍ مِنْ ذلك؛ لِاشتِراطِ الإباحةِ، وهذه الأشياءُ إمَّا أنْ يَخشَى فاعِلُها الضَّرَرَ في بَدَنِه، أو لا، فإنْ خَشيَ الضَّرَرَ فحَرامٌ، وإلَّا فمَكروهةٌ، وعلى كُلٍّ يَكونُ غيرَ مُباحٍ، وهو مُتَّجَهٌ (١).

وأمَّا الشَّافِعيَّةُ فقالَ قَليوبيٌّ في حاشيَتِه: يُعتبَرُ في العَملِ مُطلَقًا أنْ يَكونَ فيه كُلفةٌ، كما في الإجارةِ، وألَّا يَكونَ مُتَعيَّنًا على العامِلِ، فدخَل نَحوُ مُداواةٍ ورُقيَةٍ وتَخليصٍ مِنْ نحوِ حَبسٍ، وقَضاءِ حاجةٍ، ودَفعِ ظالِمٍ، وإنْ تَعيَّن؛ لأنَّه عارِضٌ، وخرَج نَحوُ رِوايةِ خَبَرٍ، ودِلالةٍ على شَخصٍ، أو طَريقٍ، أو رَدِّ مَغصوبٍ ومُعارِضٍ مِنْ الغاصِبِ والمُعِيرِ، وإنْ كانَ فيهما كُلفةٌ (٢).

وأمَّا المالِكيَّةُ فاختَلفَ النَّقلُ عندَهم هَلْ يُشترَطُ في الجُعلِ أنْ يَكونَ فيه مَنفعةٌ لِلجاعِلِ أو لا يُشترَطُ ذلك؟ فيه خِلافٌ، والمَشهورُ في المَذهبِ الأوَل، وهو أنَّه يُشترَطُ أنْ يَكونَ فيه مَنفعةٌ لِلجاعِلِ، ويَنبَني على ذلك لو جاعَلَ شَخصٌ شَخصًا على أنْ يَصعَدَ لِهذا الجَبَلِ ويَنزِلَ مِنه مِنْ غيرِ أنْ


(١) «مطالب أولي النهى» (٤/ ٢٠٧)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٤٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٨٠).
(٢) «حاشية قليوبي على كنز الراغبين» (٣/ ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>