إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا له بِكُلِّ شَيْءٍ لا يَنْفعُهُ، فَهَلْ عندَ أَحَدٍ مِنكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بعضُهُمْ: نَعم، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْقِي، وَلكنْ وَاللهِ لَقَدِ اسْتَضَفْناكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حتى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ على قَطِيعٍ مِنْ الغَنَمِ، فَانْطَلقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، فَكأنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صَالَحُوهُمْ عليه، فَقالَ بعضُهُمْ: اقْسِمُوا. فَقَالَ الذي رَقَى: لا تَفْعَلُوا حتى نَأْتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَنَذْكُرَ له الذي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمرُنَا، فقَدمُوا على رَسُولِ اللهِ ﷺ فَذَكَرُوا له، فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟»، ثم قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعكُمْ سَهْمًا»، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (١) والقَطيعُ: ثَلاثونَ رَأْسًا مِنْ الغَنَمِ.
ولأنَّ الحاجةَ تَدعو إلى ذلك، فإنَّ العَملَ قَدْ يَكونُ مَجهولًا، كَرَدِّ الآبِقِ والضَّالَّةِ ونحوِ ذلك، ولا تَنعَقِدُ الإجارةُ فيه، والحاجةُ داعيةٌ إلى رَدِّهِما، وقَد لا يَجِدُ مَنْ يَتبرَّعُ به، فدَعَتِ الحاجةُ إلى إباحةِ بَذْلِ الجُعلِ فيه، مَع جَهالةِ العَملِ؛ لأنَّها غيرُ لَازِمةٍ، بخِلافِ الإجارةِ، ألَا تَرَى أنَّ الإجارةَ لمَّا كانَتْ لَازِمةً افتَقَرَتْ إلى تَقديرِ مُدَّةٍ، والعُقودُ الجائِزةُ -كالشَّرِكةِ والوَكالةِ- لا يَجِبُ تَقديرُ مُدَّتِها، ولأنَّ الجائِزةَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما تَرْكُها، فلا يُؤدِّي إلى أنْ يَلزَمَه مَجهولٌ عندَه بخِلافِ اللَّازِمةِ.
والجُعلُ عندَ المالِكيةِ رُخصةٌ اتِّفاقًا، والقياسَ عَدمُ جَوازِه، بَلْ عَدمُ
(١) رواه البُخاري (٢١٥٦)، ومُسلم (٢٢٠١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute