والأفضَلُ إذا كانَ غيرَ ثِقةٍ أنْ يَفسَخَها؛ فإنْ فَسخَها وقَد كانَ المُستَأجِرُ عَجَّلَ الأُجرةَ، سَمِعَ القاضي بيِّنَتَه عليها، وقَضاه مِنْ ثَمنِها، لأنَّ الإجارةَ إذا انفَسخَتْ فلِلمُستَأجِرِ إمساكُ العَينِ حتى يَستَوفيَ جَميعَ الأُجرةِ، وقامَ القاضي مَقامَ الغائِبِ، فنَصَبَ له خَصمًا وسَمِعَ عليه البيِّنةَ.
وَلَو ماتَ أحَدٌ مِمَّنْ وقعَ له عَقدُ الإجارةِ قبلَ انقِضاءِ المدَّةِ، وفي الأرضِ المُستَأجَرةِ زَرعٌ لَم يُستَحصَدْ يُترَكُ ذلك في الأرضِ إلى أنْ يُستَحصَدَ، ويَكونُ على المُستَأجِرِ أو على وَرثَتِه ما سَمَّى مِنْ الأجرِ؛ لأنَّ في الحُكمِ بالِانفِساخِ وقَلعِ الزَّرعِ ضَرَرًا بالمُستَأجِرِ، ولأنَّ في الإبقاءِ مِنْ غيرِ عِوَضٍ ضَرَرًا بالوارِثِ، ويُمكِنُ تَوفيرُ الحَقَّيْنِ مِنْ غيرِ ضَرَرٍ بإبقاءِ الزَّرعِ إلى أنْ يُستَحصَدَ بالأجْرِ؛ فيَجِبُ القولُ به، وإنَّما وجبَ المُسمَّى استِحسانًا.
والقياسُ أنْ يَجِبَ أجْرُ المِثلِ؛ لأنَّ العَقدَ انفَسخَ حَقيقةً بالمَوتِ، وإنَّما بَقَّيْناه حُكمًا، فأشبَهَ شُبهةَ العَقدِ، واستِيفاءُ المَنافِعِ بشُبهةِ العَقدِ يُوجِبُ أجْرَ المِثلِ، كَما لَوِ استَوفاها بعدَ انقِضاءِ المدَّةِ.
وَجْهُ الِاستِحسانِ أنَّ التَّسميةَ تَناوَلَتْ هذه المدَّةَ، فإذا مَسَّتِ الضَّرورةَ إلى التَّركِ بعِوَضٍ كانَ إيجابُ العِوَضِ المُسمَّى أَوْلَى لِوُقوعِ التَّراضي، بخِلافِ التَّرْكِ بعدَ انقِضاءِ المدَّةِ؛ لأنَّ التَّسميةَ لَم تَتناوَلْ ما بعدَ انقِضاءِ المدَّةِ، فتَعذَّرَ إيجابُ المُسمَّى، فوجبَ أجْرُ المِثلِ (١).
وَذَهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ عَقدَ الإجارةِ
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ٢٢٢، ٢٢٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute