للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا ما لا يُدركُه البَصرُ من النَّجاساتِ فيُعفَى عنه ولو من النَّجاسةِ المُغلَّظةِ لمَشقةِ الاحتِرازِ عنه.

والقَليلُ هو ما تَعافاه الناسُ، أي: عَدُّوه عَفوًا وتَساهَلوا فيه؛ لأنَّ الإِنسانَ لا يَخلو من بَثرةٍ وحَكةٍ يَخرجُ منها هذا القَدرُ فعُفيَ عنه، والكَثيرُ ما غلَبَ على الثَّوبِ وطَبَقِه.

وقيلَ: القَليلُ قَدرُ دِينارٍ، وقيلَ: ما دونَ الكَفِّ (١).

وذهَبَ الحَنابِلةُ إلى أنَّه يُعفَى عن يَسيرِ دَمٍ وما تولَّدَ منه من قَيحٍ وصَديدٍ في غيرِ مائِعٍ ومَطعومٍ، أي أنَّه يُعفى عنه في الصَّلاةِ؛ لأنَّ الإِنسانَ غالِبًا لا يَسلمُ منه، ويَشقُّ التَّحرُّزُ منه، وقَدرُ اليُسرِ المَعفوِ عنه هو ما لا يَفحُشُ في النَّفسِ، والمَعفوُّ عنه من القَيحِ ونَحوِه أكثَرُ ممَّا يُعفَى عن مِثلِه من الدَّمِ، قالَ الإمامُ أحمدُ: هو أسهَلُ من الدَّمِ.

والمَعفوُّ عنه هو ما كانَ من آدَميٍّ أو حَيوانٍ طاهِرٍ خارِجًا من غيرِ سَبيلٍ؛ فإنْ كانَ من سَبيلٍ لم يُعفَ عنه، ولا يُعفى عن الدَّمِ الخارِجِ من حَيوانٍ نَجسٍ كالكَلبِ والخِنزيرِ، ولا فَرقَ بينَ كَونِ الدَّمِ مُجتمعًا أو مُتفرقًا؛ فإنْ فحُشَ لم يُعفَ عنه، ويُعفى عن دَمِ بَقٍّ وقَملٍ ونَحوِ ذلك من كلِّ ما لا نَفسَ له سائِلةً (٢).


(١) «المجموع» (٣/ ١٤٠، ١٤١)، و «النجم الوهاج» (١/ ٢١٣)، و «الإقناع» (١/ ٩٠).
(٢) «المغني» (٢/ ٢٧٥، ٢٧٦)، و «كشاف القناع» (١/ ٧٤)، و «المبدع» (١/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>