للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ النَّوويُّ : في هذا الحَديثِ الأمرُ بإِزالةِ النَّجاسةِ وأنَّ الدَّمَ نَجسٌ (١).


(١) «شرح صحيح مسلم» (٤/ ٢٠) قُلتُ: وقد نقَلَ غيرُ هؤلاء «الإجماع» على نَجاسةِ الدَّمِ، منهم ابنُ عَرفةَ في «تَفسيرِه» (٢/ ٥٠٦)، والشِّنقيطيُّ في «أضواء البيان» (٢/ ٣٩٩).
وأذكُرُ هنا كَلامًا نَفيسًا للشَّيخِ عَطيةَ سالِم : نُوجِّهُ الإخوةَ طَلبةَ العِلمِ في الوَقتِ الحاضِرِ الذين يَقولون: إنَّ الدَّمَ المَسفوحَ طاهِرُ، ويَقولونَ: لا دِلالةَ على نَجاستِه، يُقالُ لهم: إنَّ إِجماعَ الأُمةِ مُدةَ أربَعةَ عَشرَ قَرنًا على نَجاستِه، فيَقولونَ: «الإجماع» لا حُجةَ فيه، ولا يَصحُّ، فإذا كانوا يُنكِرون «الإجماع»، فيَنبَغي ألَّا يُتكلَّمَ معهم في شَيءٍ، وعندَما عُرضَت عليهم الآيةُ الكَريمةُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: ٣] قالوا: الدَّمُ كالمَيتةِ، حَرُمَ أكلُها، وكذلك الدَّمُ حَرُمَ أكلُه، وليس بنَجسِ العَينِ، يُقالُ لهم: إنَّ دِلالةَ الاقتِرانِ -وهي دِلالةُ اقتِرانِ الدَّمِ بالمَيتةِ يَدلُّ على نَجاسةِ الدَّمِ مِثلَ نَجاسةِ المَيتةِ، فإنْ قالوا: وأينَ الدَّليلُ على نَجاستِها؟ قيلَ لهم:
(٢) إجماعُ المُسلِمينَ، وهذا الحَديثُ بالذاتِ -يَقصدُ حَديثَ: مَرَّ النَّبيُّ على شاةٍ يَجرُّونَها فقالَ: لو أخَذتُم إهابَها؟ فقالوا: إنَّها مَيتةٌ- فالصَّحابةُ فهِموا من كَونِ الشاةِ مَيتةً أنَّها نَجسةٌ، فأصبَحَت دِلالةَ التِزامٍ، وهي دِلالةُ المَوتِ على النَّجاسةِ، فقالَ النَّبيُّ : إنَّما حرُمَ أكلُها، فالرَّسولُ أقرَّهم على هذا الفَهمِ بدَليلِ أنَّه أجابَهم بطَهارةِ هذا النَّجسِ، وما أجابَهم بعَدمِ الأكلِ ولا أجابَهم بشَيءٍ آخَرَ، بل قالَ: «يُطهِّرُه».
إذًا: المَيتةُ تَنجَّسَت بمَوتِها، ولما حُرِّمت لنَجاستِها فالدَّمُ كذلك حُرِّمَ لنَجاستِه، وذكَرنا لهم صَنيعَ البُخاريِّ ومُسلمٍ في حَديثِ فاطِمةَ بنِ حُبَيشٍ -التي استُحيضَت- فهي: «سألَت رَسولَ اللهِ عن دَمِ الحَيضِ يُصيبُ الثَّوبَ … » الحَديثَ.
ذكَرَه مُسلمٌ في بابِ النَّجاساتِ، وفي بابِ الحَيضِ، ليَدلَّ على نَجاسةِ الدَّمِ في بابِ النَّجاساتِ، ويَدلُّ على حُكمِه هناك في بابِ الحَيضِ أو الاستِحاضةِ، وكذلك البُخاريُّ وجَميعُ أَصحابِ كُتبِ السُّنةِ يَذكرونَ حَديثَها في بابِ النَّجاسةِ للدِّلالةِ على نَجاسةِ =

<<  <  ج: ص:  >  >>