للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إباحةِ كَسْبِه؛ إذْ غيرُ جائِزٍ أنْ يُطعِمَ رَقيقَه ما يَحرُمُ أكلُهُ؛ فإنَّ الرَّقيقَ آدَميُّونَ، يَحرُمُ عليهم ما حرَّمَه اللَّهُ تَعالى، كَما يَحرُمُ على الأحرارِ، وتَخصيصُ ذلك بما أُعطيَه مِنْ غيرِ استِئجارٍ، تحَكُّمٌ لا دَليلَ عليه، وتَسميَتُه كَسْبًا خَبيثًا لا يَلزَمُ منه التَّحريمُ؛ فقَد سَمَّى النَّبيُّ الثُّومَ والبَصَلَ خَبيثَيْنِ، مع إباحَتِهما، وإنَّما كَرِهَ النَّبيُّ ذلك لِلحُرِّ؛ تَنزيهًا لِدَناءةِ هذه الصِّناعةِ، وليسَ عن أحمدَ نَصٌّ في تَحريمِ كَسْبِ الحَجَّامِ، ولا الِاستِئجارِ عليها؛ وإنَّما قالَ: نَحنُ نُعطيه كَما أعطَى ، ونَقولُ له كَما قالَ النَّبيُّ لَمَّا سُئِلَ عن أكلِه نَهاه، وقالَ: اعلِفْه النَّاضِحَ والرَّقيقَ، وهذا مَعنَى كَلامِه في جَميعِ الرِّواياتِ، وليسَ هذا صَريحًا في تَحريمِه، بَلْ فيه دَليلٌ على إباحَتِه، كَما في قَولِ النَّبيِّ وفِعلِه، على ما بيَّنَّا، وإعطاؤُه لِلحَجَّامِ دَليلٌ على إباحَتِه؛ إذْ لا يُعطيه ما يَحرُمُ عليه، وهو يُعَلِّمُ النَّاسَ ويَنهاهُم عن المُحرَّماتِ؛ فكَيفَ يُعطيهم إيَّاها ويُمكِّنُهم مِنها، وأمْرُه بإطعامِ الرَّقيقِ مِنها دَليلٌ على الإباحةِ؛ فيَتعيَّنُ حَمْلُ نَهيِه عن أكلِها على الكَراهةِ، دونَ التَّحريمِ، وكذلك قولُ الإمامِ أحمدَ؛ فإنَّه لَم يَخرُجْ عن قَولِ النَّبيِّ وفِعلِهِ؛ وإنَّما قَصَدَ اتِّباعَه، وكذلك سائِرُ مَنْ كَرِهَه مِنْ الأئِمَّةِ يَتعيَّنُ حَمْلُ كَلامِهم على هَذا، ولا يَكونُ في المَسألةِ قائِلٌ بالتَّحريمِ.

وَإذا ثبَتَ هَذا؛ فإنَّه يُكرَهُ لِلحُرِّ أكْلُ كَسْبِ الحَجَّامِ، ويُكرَهُ تَعلّمُ صِناعةِ الحِجامةِ وإجارةُ نَفْسِه لَها؛ لِمَا فيها مِنْ الأخبارِ، ولأنَّ فيها دَناءةً فكُرِهَ الدُّخولُ فيها، كالكَسحِ، وعَلَى هذا يُحمَلُ قولُ الأئِمَّةِ الذين ذَكَرْنا عَنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>