للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له غَلَّةَ حَجَّامٍ أو حَجَّاميْنِ؛ فقالَ: إنَّ كَسَبَكُم لَوَسِخٌ، أو قالَ: لَدَنِسٌ، أو لَدَنيءٌ، أو كَلِمةً تُشبِهُها.

قالَ الماوَرديُّ : اعلَمْ أنَّ الحاجةَ إلى المَكاسِبِ داعيةٌ لِمَا فَطَرَ اللَّهُ تَعالى عليه الخَلقَ مِنْ الحاجةِ إلى الطَّعامِ والشَّرابِ والكِسوةِ لِنَفْسِه، ومَن يَلزَمُه الإنفاقُ عليه مِنْ مُناسِبٍ ومُصاحِبٍ، وأُصولُ المَكاسِبِ المَألوفةُ ثَلاثةٌ: زِراعةٌ وتِجارةٌ وصِناعةٌ، فيَنبَغي لِلمُكتَسِبِ بها أنْ يَختارَ لِنَفْسِه أطيَبَها لِقَولِ اللَّهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٦٧]، ورُوِيَ عن النَّبِيِّ أنَّه قالَ: «مَنْ لَم يُبالِ مِنْ أينَ مَطعَمُه، ولا مِنْ أينَ مَشرَبُه، لَم يُبالِ اللهِ مِنْ أيِّ أبوابِ النارِ أدخَلَه».

واختَلفَ النَّاسُ في أطيَبِها، فقالَ قَومٌ: الزِّراعاتُ، وهو عِنْدِي أشبَهُ؛ لأنَّ الإنسانَ فيها مُتوَكِّلٌ على اللهِ ، في عَطائِه، مُستسَلِمٌ لِقَضائِه.

وقالَ آخَرونَ: التِّجارةُ أطيَبُها، وهو أشبَهُ بمَذهبِ الشَّافِعيِّ؛ لِتَصريحِ اللهِ تَعالى بإحلالِه في كِتابِه، بقَولِه : ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [البقرة: ٢٧٥]، واقتِداءً بالصَّحابةِ في اكتِسابِهم بها.

وقالَ آخَرونَ: الصِّناعةُ؛ لِاكتِسابِ الإنسانِ فيها بكَدِّ يَدَيْه. وقَد رُوِيَ عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «إنَّ مِنْ الذُّنوبِ ما لا يُكفِّرُه صَومٌ ولا صَلاةُ، ولَكِنْ يُكفِّرُه عَرقُ الجَبينِ في طَلَبِ الحِرفةِ».

فَأمَّا الزِّراعةُ فلا مَدخَلَ لَها في تَحريمٍ ولَا كَراهيةٍ، وهذا أوَّلُ شَيءٍ على أنَّها أطيَبُ المَكاسِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>