للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَملٌ في ذِمَّتِه، ويُمكِنُه إيفاؤُه بنَفْسِه وبِالِاستِعانةِ بغَيرِه بمَنزِلةِ إيفاءِ الدَّيْنِ.

وَإذا شرطَ على الصَّانِعِ أنْ يَعمَلَ بنَفْسِه فليسَ له أنْ يَستَعمِلَ غَيرَه، بأنْ قالَ: على أنْ تَعمَلَ بنَفْسِكَ، أو بيَدِكَ؛ لأنَّ العَملَ يَختَلِفُ باختِلافِ الصُّنَّاعِ جَودةً ورَداءةً، فكانَ الشَّرطُ مُقيِّدًا، فيَتعيَّنُ كَما تَتعيَّنُ المَنفَعةُ في مَحَلٍّ بعَينِه.

لَكِنْ قالَ في «العِناية»: وفيه تَأمُّلٌ؛ لأنَّه إنْ خالَفَه إلى خَيرٍ بأنِ استَعمَلَ مَنْ هو أصنَعُ منه في ذلك الفَنِّ، أو سَلَّمَ دَابَّةً أقوَى مِنْ ذلك، كانَ يَنبَغي أنْ يَجوزَ (١).

وقالَ الكاسانيُّ : ولِلأجيرِ أنْ يَعمَلَ بنَفْسِه وأُجَرائِه إذا لَم يَشتَرِطْ عليه في العَقدِ أنْ يَعمَلَ بيَدِهِ؛ لأنَّ العَقدَ وقعَ على العَملِ، والإنسانُ قد يَعمَلُ بنَفْسِه، وقَد يَعمَلُ بغَيرِه، ولأنَّ عَملَ أُجَرائِه يَقَعُ لَه، فيَصيرُ كَأنَّه عَمِلَ بنَفْسِه، إلَّا إذا شرطَ عليه عَملَه بنَفْسِه؛ لأنَّ العَقدَ وقعَ على عَملٍ مِنْ شَخصٍ مُعيَّنٍ، والتَّعيينُ مُفيدٌ؛ لأنَّ العُمالَ مُتفاوِتونَ في العَملِ؛ فيَتعيَّنُ؛ فلا يَجوزُ تَسليمُها مِنْ شَخصٍ آخَرَ مِنْ غيرِ رِضَا المُستَأجِرِ، كَمَنِ استَأجَرَ جَمَلًا بعَينِه لِلحَمْلِ، لا يُجبَرُ على أخْذِ غَيرِه.

وَلَوِ استَأجَرَ على الحَملِ، ولَم يُعَيِّنْ جَمَلًا، كانَ لِلمُكاري أنْ يُسَلِّمَ إليه أيَّ جَمَلٍ شاءَ، كَذا هَهُنا (٢).


(١) «العناية شرح الهداية» (١٢/ ٣٥٣).
(٢) «بدائع الصنائع» (٤/ ٢٠٨)، ويُنْظر: «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٧٠)، و «اللباب» (١/ ٤٩٣)، و «الاختيار» (٣/ ٦٨)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ١١٢)، و «البحر الرائق» (٧/ ٣٠٣)، و «الدر المختار» (٦/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>