للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالإيمانِ، فلَو أرادَ أحَدٌ أنْ يَهَبَ قَريبَه الكافِرَ إيمانَه لِيَدخُلَ الجَنَّةَ دُونَه لَم يكُنْ له ذلك، بَلْ إنْ كَفَرَ الحَيُّ هَلَكَا معًا، أمَّا هِبةُ الثَّوابِ مع بَقاءِ الأصْلِ فلا سَبيلَ إلَيها، وقيلَ: الإجماعُ في الصَّلاةِ أيضًا، وقيلَ: لا إجماعَ فيها.

وَقِسْمٌ اتَّفقَ النَّاسُ على أنَّ اللَّهَ تَعالى أذِنَ في نَقْلِ ثَوابِه لِلمَيِّتِ، وهو القُرُباتُ المالِيَّةُ؛ كالصَّدَقةِ والعِتقِ.

وَقِسْمٌ اختُلِفَ فيه، هَلْ فيه حَجَرٌ أو لا؟ وهو الصِّيامُ والحَجُّ وقِراءةُ القُرآنِ، فلا يَحصُلُ شَيءٌ مِنْ ذلك لِلمَيِّتِ عندَ مالِكٍ، والشافِعيِّ.

وقالَ أبو حَنيفَةَ وأحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: يَصِلُ ثَوابُ القِراءةِ لِلمَيِّتِ.

فَمالِكٌ والشافِعيُّ يَحتَجَّانِ بالقياسِ على الصَّلاةِ ونَحوِها ممَّا هو فِعلٌ بَدَنيٌّ، والأصْلُ في الأفعالِ البَدَنيَّةِ؛ ألَّا يَنوبَ أحَدٌ فيها عن الآخَرِ، ولِظاهِرِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩].

ولِقَولِ النَّبِيِّ : «إذا ماتَ الإنْسَانُ انقَطَعَ عنه عَملُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَاريَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له» (١).

واحتَجَّ أبو حَنيفَةَ، وابنُ حَنبَلٍ بالقِياسِ على الدُّعاءِ؛ فإنا أجمَعْنا على أنَّ الدُّعاءَ يَصِلُ لِلمَيِّتِ؛ فكذلك القِراءةُ، والكلُّ عَملٌ بَدَنِيٌّ، ولِظاهِرِ قَولِه لِلسَّائِلِ: «صَلِّ لَهُما مع صَلاتِكَ، وصُمْ لَهُما مع صَومِكَ» (٢) يَعني أبَوَيْه.


(١) رواه مسلم (١٦٣١).
(٢) مُرسلٌ: ذكره الإمام مسلم في «مقدمة الصحيح» (١/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>