للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولُ الأولُ: ذَهَبَ المالِكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ -في رِوايةٍ- ومُتأخِّرو الحَنفيَّةِ -وعليه الفَتْوَى عِندَهم- إلى جَوازِ أخْذِ الأُجرةِ على تَعليمِ القُرآنِ؛ لِمَا رَواه البُخارِيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ : أنَّ نَفَرًا مِنْ أَصحَابِ النَّبِيِّ مَرُّوا بمَاءٍ فيهِمْ لَديغٌ، أو سَليمٌ، فعَرضَ لهم رَجُلٌ مِنْ أَهلِ المَاءِ، فقالَ: هل فِيكمْ مِنْ رَاقٍ؟ إنَّ في المَاءِ رَجُلًا لَديغًا، أو سَليمًا، فَانطَلَقَ رَجُلٌ منهم فقَرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ على شاءٍ، فبَرَأَ، فجَاءَ بالشَّاءِ إلى أَصْحَابهِ، فَكَرِهُوا ذلك، وقَالُوا: أخَذْتَ على كِتَابِ اللَّهِ أجْرًا؟! حتى قَدِمُوا المَدينَةَ، فقَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، أخَذَ على كِتَابِ اللَّهِ أجْرًا. فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «إنَّ أحَقَّ ما أخَذْتُمْ عليه أجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» (١)، وهذا نَصٌّ يَرفَعُ الخِلافَ؛ فيَنبَغي أنْ يُعَوَّلَ عليه، وأمَّا القِياسُ على الصَّلاةِ والصِّيامِ ففاسِدٌ؛ لأنَّه في مُقابَلةِ النَّصِّ، ثم إنَّ بَينَهما فُرقانًا، وهو أنَّ الصَّلاةَ والصَّومَ عِبادَتانِ مُختصَتانِ بالفاعِلِ، وأنَّ تَعليمَ القُرآنِ عِبادةٌ مُتعَدِّيةٌ لِغَيرِ المُعَلِّمِ؛ فتَجوزُ الأُجرةُ على مُحاوَلَتِه النَّقلَ، كتَعليمِ كِتابةٍ.

وإجماعُ أهلِ المَدينةِ على ذلك، ولذلك قالَ مالِكٌ : لَم يَبلُغْني أنَّ أحَدًا كَرِهَ تَعليمَ القُرآنِ والكِتابةِ بأُجرةٍ.

وعَن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ : «أنَّ امرَأَةً جاءَتْ رَسولَ اللَّهِ فقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، جِئْتُ لِأَهَبَ لكَ نَفْسِي. فنَظَرَ إلَيْهَا رَسولُ اللَّهِ فصَعَّدَ النَّظَرَ إلَيْهَا وصَوَّبَهُ، ثمَّ طَأطَأَ رَأْسَهُ، فلَمَّا رَأَتِ المَرْأَةُ


(١) رواه البخاري (٥٤٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>